الصفحة الرئيسية
 /  
قلق التأثر في ديوان نهام الخليج الاخضر 1
 /  
رجوع

قلق التأثر في ديوان نهام الخليج الاخضر 1


أول قصيدة في الديوان بعنوان (فاتحة النهر ) تبدأ بعهد ( لنتفق ) . وفحوى القصيدة تقول : نعم في الدنيا خواء ورماد , ولكن ( ليس في كف الحياة سوى الحياة ) ؛ لأنها (وإن لبست رمادًا فالقادم جمر )

     هذه الافتتاحية تبدأ بسوداوية تريد أن تقول : أنا واعٍ بما يجري وأعرف واقع الحياة ، ولست أحلم , ولكني أعاهدك ، أيها القارئ ، بأن القادم سيكون جمرًا . ولا يعني الوعد الإحالة إلى الفرد (أحمد العلي ) أو الشاعر فيه ولكنه قول يرفع راية الفأل  ، راية الشباب ، راية الغد التي تَعِد بالمستقبل القادم الذي يتأجج من تحت الرماد , لكن ماذا يعني هذا الافتتاح بهذه الدلالات ؟

         ذلك يعني أن الشاعر منحاز إلى أن الفن يشارك , ويغير , ويؤجج , ويزيح الرماد ؛ ليتوقد  ويضيء ، فالجمر هنا لا ليحرق وإنما ليفعل ويتفاعل .

           إذًا هل مصادفة أن ثاني قصيدة في الديوان تحمل عنوانًا هو : ( الشاعر) ؟ من الواضح أنها وضعت هناك بعناية لتقول في مفتتحها إن لغة الشاعر حجرٌ قُدّ من ماء  . وليتحقق للشاعر ذلك عليه أن يستمع منذ البداية إلى سلسلة وصايا أو فلنقل سلسلة دروس وتعليمات .

   وبغض النظر من هو الحكيم أو الموصي هنا ؟ ومن هذا الصوت الذي يدخل الآن ليلقى بيان الوصايا ؟ لنتأمل هذه النصائح الافتتاحية للشاعر :

  1. لا تهادن .
  2. ليكن حرفك كامل التعب مثل حبة عرق أو وصية ميت .
  3. عليك أن تجعل الورق طينًا في يدك .
  4. عليك أن تبحث عن النقيض لا المتشابه .
  5. عليك أن تعيد ما احترق .

وهذه وصايا تتناغم مع قصيدة ( فاتحة النهر) التي افتتح بها الديوان ومع العهد المعلن السابق المذكور بأن يكون القادم جمرًا . ولكن أية وصايا هذه ؟

      هذا النوع من الاتفاق والافتتاحيات والوصايا يجعلنا نتساءل : أمن شأن الشعر والشاعر أن يلقي ببيان أو خطبة أو حتى مشروع انتخابي ؟ وكأنما هو مثقل بمهمة خطيرة  يعلنها لمن حوله كهوية أو بطاقة مرور . وقد يبرر ذلك أن الشاعر شاب يقدم أول أعماله وهو يحمل توترًا وقلقًا سأتوقف عنده لاحقًا , لكن هنا في سياق الحديث عن الوصايا وعن افتتاحية الشاعر أقول إنه من الواضح أنه يحمل هاجس الإعلان عن ما يعتقد أنه دور للشعر . وهو دور _ كما يبدو   _ يتعدى الجانب الجمالي إلى الدور الوجودي في الكون ؛ فهو يوقد الرماد ، ويعيد ما احترق .