الصفحة الرئيسية
 /  
قلق التأثر في ديوان (نـهّام الخليج الأخضر) لأحمد العلي 2
 /  
رجوع

قلق التأثر في ديوان (نـهّام الخليج الأخضر) لأحمد العلي 2


       تساءلت في آخر المقالة السابقة : أمن شأن الشعر والشاعر أن يلقي ببيان أو خطبة في افتتاحيات ديوانه ؟ وكأنما هو مثقل بمهمة خطيرة  يعلنها لمن حوله كهوية أو بطاقة مرور . وقلت : قد يبرر ذلك أن الشاعر شاب يقدم أول أعماله وهو يحمل توترًا وقلقًا , ومن الواضح أنه يحمل هاجس الإعلان عن اعتقاده بأن دور الشعر يتعدى الجانب الجمالي إلى الدور الوجودي في الكون .

         ومن الواضح أن هذا القول يعكس الاعتقاد بأن الشعر يحمل رسالة أو التزامًا , و ينبئ عن إحساس عارم بضرورة أن يكون للشعر دور في المرحلة المقبلة أكبر مما كان له في المراحل السابقة ، تلك المراحل التي يرى الشاعر أن الشعر احترق فيها وترمد كما تشير عباراته . وهو يرى أن على الأجيال الشعرية الشابة أن تعيد صنع الأنقاض ، وترمم الدمار الوجودي والجمالي . وعليها ألا تهادن , وأن تخرج من التقليد والتشابه حتى ( تكتنه النقيض ) في هويتها الجمالية كما يقول  .

      وهذا البيان الشعري الذي تحدثت عنه في المقالة السابقة فادح وصعب ، ويشير إلى وعي بالإرث الثقيل وبأهمية الدور الذي ينوء به , مع انعكاس واضح لقلقِ تأثرٍ كبير يقوم منذ البداية على نية الاختلاف ، ومناوءة  سوءات ذلك الإرث بسوداويته وهزائمه .

          ولذا أحسب أن هذين البعدين (بعد السواد والدمار الذي يغلف العالم  والبعد النقيض الذي سيوقد الجمر ويعيد ما احترق ) سيكونان بالضرورة الجناحان اللذان سيحلق بهما أحمد العلي , وسيكونان الهم الشاغل الذي سينضم عقد هذه النصوص .

          يقول في القصيدة الثالثة (عيون الضباب ) :

" قامَةُ البحرِ مكسورةٌ..

و الأرضُ قَتَلوا غناءها

........

.........

و إنّي مُتنَبِئٌ:

الآتي غرابٌ أبيض

يلوّنه الأطفالُ باسمين ..

و إني مُدارٍ شمعة الأرض بجناحي

علّها

  تُنيرُ في خطوي

  حروفَ دواتي .." (1)

فها هو البحر بقامته المكسورة و ها هي الأرض التي قُتل غناؤها كلاهما يرفضان السواد في روح الشاعر , ولذلك فغراب المستقبل في القصيدة سيكون مختلفًا بلونه الأبيض ، وسيداري الشاعر شمعة الأرض بجناح الشعر .

           هذه روح متفائلة مصرة على حماية الأرض وتحويل خرابها إلى حياة ، وإحالة ظلامها إلى نور يستلهم منها أحمد العلي في القصيدة الرابعة (فقه الليل ) جذوته , حيث غضاضة الروح تحاول تعليمنا درسًا من الظلام , فليست العتمة مرادفة للموت ، فخلف الظلمة إشراق ؛ وهذا هو الفقه الحقيقي .لذا يدعونا الشاعر للتأمل ويقول :

" يا قوّة الله!

أُسامِرُ صدرَ نوحٍ لأعرف

من أينَ لأخشابه هذا الجَلَد ..

وجه ظُفار

و مهيار

وجوهَ الأرض الغائبة

و أسألُ :

متى إذن نوقد النار؟ " (2)

هذه الروح الجافلة من الاستكانة  تشيع كذلك في القصيدة الخامسة (شاهق النفس ) بادئًا إياها بصيغة المخاطب الذي يُستحث , وليس الذي يُستحث سوى أنا الشاعر , يقول : 

" غُص يا شاهِق النّفَسِ

مُكتنـزاً كُلّ الرياح العاتية ..

ليس لأناملك

أن تربُتَ – الآنَ – على كتف المشيب "(3)