الصفحة الرئيسية
 /  
قلق التأثر في ديوان (نـهّام الخليج الأخضر) لأحمد العلي 4
 /  
رجوع

قلق التأثر في ديوان (نـهّام الخليج الأخضر) لأحمد العلي 4


لعل هذا القلق من الأب الشعري والجد السحيق للغة والشعر هو الذي يجعل الشاعر ينحاز لبيانه الشخصي حول لغة الشعر ومهمة الشاعر , وهذا الذي يفسر أنه اختار عنوان ديوانه (نهام الخليج الأخضر ) فالنهام من نهم الحصى أي قذفه . ألم يقل في قصيدة (الشاعر) أن لغة الشاعر حجر قُدّ من ماء ؛ ولذلك فمن شأن الشعر والشاعر أن يصرخ بمائه . كذلك ضمن معاني النهام أيضًا (الصراخ و النداء ) وهذا يستجيب للبعد الملتزم لوظيفة الشعر التي أعلن عنها أحمد العلي في عدد من النصوص ؛ وهي وظيفة تصرخ وتنادي للتغيير والتأثير ، ولكن على طريقة صراخ الشعر ونداءاته التي تقذف بحصى الشاعر المائية !!

          ونلاحظ كذلك في هذا السياق ارتباط كلمة نهام بالخليج في عنوان الديوان , وهو ما يستدعي مباشرة أبًا أبعد من ( محمد العلي ) وهو ( السياب ) فإذا كان النهام هو الشاعر الضاج بصراخه ونداءاته فذاك يستدعي من بعيد قصيدة السياب ( أنشودة المطر )حيث  يقول :

" أصيح بالخليج

يا خليج

يا واهب المحار .. "

           ولعل روح السياب المطلة من بعيد ، تطل من جهة جرح الخليج ؛ وجرح الحلم الذي اتسع على الراقعين من الشعراء من بعد السياب ومحمد العلي وغيرهم من الشعراء الكبار , فهل سيفلح جيل شعري جديد بالاستعاضة بيفاعة الشعارات والمقولات أو بالنص القائم على مضمون الفأل والعزيمة على أن يلأم ما اتسع من جراح الحلم الوجودي والشعري ؟  فلينظر القارئ معي في سياق ما تقدم إلى دلالات برعم الوقت ، والنظر إلى الخلف ، والعبور المميت المضيء لمن مضوا بلا أثر في قصيدة (  الخزامى ) حيث يقول :

" بُرعُم الوقت ينحَلّ

و أنا صدرُ سفينةٍ

كُلّما مخرتُ ماءً

مسّني أمَلٌ من تقاطيع الخُزامى

و أنظرُ خلفي

لا أرى لهذا العبور المُميتِ

المُضيءِ من أثر

أأدَعُني؟

قَرِّبا مربطَ الموجِ مني . "(5)

           ها هو الشاعر المأزوم بمهمة مستحيلة عليه أن يجر إليه الصحارى حاملاً ( أمل تقاطيع الخزامى ) وهو متجه يمخر موج الخليج/ الحلم وموج الحياة برًا وبحرًا !! أيمكن أن يتخلى عن حلم الخارطة وهو يرى الفشل الذريع لذلك العبور المميت المضيء لمن تقدموه وقد ضاع بلا أثر ؟ لكن أليست هذه هي لعبة الشعر تحديدًا : إن ما يثبته من جهة ينفيه من جهة أخرى ! فلو كان العبور لمن سبقوه بلا أثر لما رآه شاعرنا الحالي ولما التفت خلفه !! والشاعر لن يستدعي ناقة أو جملاً من جديد لتوصله إلى نهاياته الكريمة !! بل سيقرب مربط الموج , وسيركب الموج لمجابهة نازع السواد والفناء . وربما كان في البعيد من رمزية الموج هنا موجة الشعر كذلك . أليس من حق شاعر ينشر ديوانه الأول وتجريبه الأول أن يحلم أو يدعي ؟ ربما .