الصفحة الرئيسية
 /  
أحلام حادي تتقصى ترجمات (الملك لير)
 /  
رجوع

أحلام حادي تتقصى ترجمات (الملك لير)


أحلام حادي باحثة وناقدة جادة ، من أولئك الناس النادرين الذين يعملون بهدوء وصمت . صدر كتابها الأول ( جماليات اللغة في القصة القصيرة : قراءة لتيار الوعي في القصة السعودية 1970-1995) وهو في الأصل رسالتها للماجستير , وهو عمل علمي جاد دفع المهتمين والمختصين لتلقفه والاهتمام به حينما نوقش كرسالة ماجستير , وحينما صدرسنة (2004 ) على شكل كتاب اتسعت دائرة المستفيدين منه والمحتفين به .


 وقد أصدرت مؤخرًا كتابًا آخر مهمًا في حقله , وهو كتاب ( الملك لير في خمس ترجمات عربية ) صدر عن دار شرقيات للنشر والتوزيع . وأبدأ بالتهنئة للباحثة أحلام وأشد على يديها ، وأشيد بهذا العمل العلمي , لأنه يستحق ذلك , ولأن صاحبته تستحق ذلك لما تعكسه شخصيتها العلمية من صبر وأناة ودقة ومثابرة , وهي صفات قلما نجدها بين الباحثين والأكاديميين . كما أشيد بهذا العمل لقلة الكتب التي تطرق موضوع الترجمات المقارنة لعمل أدبي واحد ، ولكون العمل موضوع الكتاب هو مسرحية لشكسبير ، ومن منا لا يدرك الصعوبة التي تتسم بها لغة شكسبير في اللغة الأم وما يحيط بها من صعوبة ومآزق لأبناء الانجليزية , فكيف وهذا المجال تقتحمه باحثة تجتهد في قراءة العمل في لغته الأصلية , وتعكف على المتابعة العلمية الدقيقة لخمس ترجمات مشهورة للمسرحية , ثم تعقد مقارناتها بينها بطريقة علمية معتدلة تكشف الإيجابيات , وتعرض بطريقة أكاديمية مواضع التحوير والتغيير ومآزق الترجمة , وحينما تجد ما لا تراه مناسبًا أو صحيحًا أو على أقل تقدير لا تتفق فيه مع المترجم تعرض ذلك بهدوء , وتناقش بطريقة رصينة راقية ما تراه اختراقًا أو تجاوزًا غير مقبول .

          إن السمة الحذرة ، مع اللغة العلمية المقنّنة والراقية أضفتا في الوقت نفسه جوًا من الراحة لقارئ يخوض موضوعًا شائكًا ، وأعطى التشويق من جهة أخرى لموضوع قد يراه غير المختص مملاً ؛ ولذلك فالكتاب جاذب لمعظم أنواع القراء حتى غير المختصين .

     أما السمة الأكثر إيجابية في الكتاب فهي سهولة لغته وقربها من القارئ , حتى إن الكتاب يضرب عصافير كثيرة  بحجر واحد ، إذ صاغته أحلام وهي تقارن وتعارض بطريقة ذكية تجعل القارئ يخرج بفوائد مختلفة على رأسها أن تلك المواضيع المختارة بعناية للمقارنات كانت تضرب في أماكن مختلفة من المسرحية , ولذلك يخرج القارئ وكأنه لم يقرأ المسرحية فحسب بل قرأ ترجماتها الخمس مضافًا إليها حشد من المعلومات والمقارنات لا بين الثقافتين العربية والانجليزية ومكونات كل ثقافة , بل يخرج القارىء بعدد من الفروقات بين الباحثين ومستويات ترجمتهم مع تفسيرات مهمة في كثير من الأحيان لهذه التباينات بين المترجمين . أشدّ على يد أحلام مجددًا مهنئة ومتمنية لها مزيدًا من التألق والنجاح .