الصفحة الرئيسية
 /  
أضاليل حول الخليل 2
 /  
رجوع

أضاليل حول الخليل 2


      بدأت مقالتي السابقة بالحديث عن نص للزبيدي يخبر فيه عن مراسلة ملك اليونان للخليل ووضع الخليل لكتاب اسمه ( المعمى ) , ووضحت كيف أن بعض الباحثين سخروا من النص واعتبروه أسطورة , وأهملوا تمامًا تتبع ما قاله الزبيدي من وضع الخليل لكتاب        ( المعمى ) وأشرت إلى أن النص الذي ذكره الزبيدي كان يتحدث عن وضع الخليل للمعمى أي عن مولد علم جديد , ولم يكن يزعم أن الخليل كان يعرف قليلاً  من  اليونانية أو كثيرًا .   

      ومن المؤكد أن الفيلسوف الكندي بعد الخلي بما يقرب من مئة سنة ( توفي الكندي  260 ه وتوفي الخليل 170ه ) قد سار على نهج الخليل , فللكندي رسالة في علم التعمية بعنوان " رسالة في استخراج المعمى "  , وقد ذُكر في أخبار الكندي أنه وضع لنفسه كتابة  اخترعها تساعده على قراءة اللغات وفك مغلقها عليه ؛ قال حمزة الأصفهاني في كتابه (التنبيه على حدوث التصحيف) إن الكندي :" لما احتاج إلى استعمال لغات الأمم من الفرس والسريانيين والروم واليونانيين وضع لنفسه كتابة اخترع لها أربعين صورة مختلفة الأشكال متباينة الهيآت فكان لا يتعذر عليه  كـَتْبُ شيء ولا تلاوته ."  ولكن لم يسخر أحد من اختراع الكندي لرموز وصور تساعده على فك مغلق أية لغة كما فعلوا مع الخليل .

يقول الباحث الأمريكي وكبير مؤرخي علم التعمية ديفيد كوهن ( David Kahn ) في كتابه (Breakers Code The) ( مفككو الرموز ) :

  " إن علم التعمية الذي يشمل علمي التعمية واستخراج المعمى لم يولد حتى هذا التاريخ [ القرن السابع ] في جميع الحضارات التي استعرضناها بما فيها الحضارة الغربية . ولد علم التعمية بشقيه بين العرب , فقد كانوا أول من اكتشف طرق استخراج المعمى وكتبها ودونها ." ( )

     وحسب هذا التأكيد العلمي من كوهن فإن العرب هم مبتكرو علم التعمية . وبالرجوع إلى كتب التراجم والأخبار نصل إلى النتيجة التالية : إن كتاب الخليل  في ( المعمى ) مع أنه مفقود إلا أنه الأول في هذا المجال ؛ فقد نص الزبيدي في كتابه (طبقات النحويين واللغويين) على أن الخليل بن أحمد وضع كتاب المعمى ( ) , أما ابن نباتة في كتابه (سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون ) فقد زاد بقوله إن الخليل أول من وضع المعمى ووضع طرائقها كما أنه كان أول من استخرج المعمى وكان أول من نظر فيه . ( )  ثم نقل ذلك من بعدهما محمد الحنبلي في رسالته ( شرح كنز من حاجى وعمّى في الأحاجي والمعمّى) . ( ) 

وقد وضع دارسون محدثون في علم التعمية الخليل بن أحمد على رأس جدول أحصوا فيه المؤلفات العربية القديمة في هذا العلم وفق تسلسلها التاريخي .

   ومن المرجح أن من ألفوا بعده ووصلت إلينا كتبهم في هذا الحقل , وعلى رأسهم الكندي, قد أفادوا منه واعتمدوا عليه . وحتى نصل إلى حقيقة نص الزبيدي , ونزيل الوهم العلمي الذي لحق بهذا الخبر عن الخليل أسأل : ما الذي فعله الخليل في نص رسالة ملك اليونان المذكور في خبر الزبيدي ؟  وكيف فك مغالق نص في لغة لا يعرفها . حتى نعرف ذلك لابد من العلم بطرق التعمية وطرق فكها . ولابد من الوقوف على العمليات العقلية التي من خلالها استطاع الخليل فك معمى الرسالة .