الصفحة الرئيسية
 /  
أضاليل حول الخليل 3
 /  
رجوع

أضاليل حول الخليل 3


   أواصل في هذه المقالة ما كنت بدأت به من نقاش للوهم العلمي حول خبر رسالة ملك اليونان إلى الخليل بن أحمد  وأقول حتى نصل إلى حقيقة نص الزبيدي , ونزيل الوهم العلمي الذي لحق بهذا الخبر عن الخليل لابد من السؤال : ما الذي فعله الخليل في نص رسالة ملك اليونان المذكور في خبر الزبيدي ؟  وكيف فك مغالق نص في لغة لا يعرفها . حتى نعرف ذلك لابد من العلم بطرق التعمية وطرق فكها . ولابد من الوقوف على العمليات العقلية التي من خلالها استطاع الخليل فك معمى الرسالة .

 لقد استعمل العرب مصطلح الترجمة والـمُترجَم للدلالة على التعمية نفسها أو على بعض ضروبها ( ما يكون بالتبديل البسيط ) أو على استخراج الـمُعمّى ( ). يقول أبو بكر الصولي ( ت 336ه) في باب الترجمة في المكاتبة :"  أصل هذه اللفظة [ يعني الترجمة ] فارسية , وكذلك الترجمان وقد تكلمت بها العرب بعد ذلك وعربتها ... وهي شبيهة بالمعمى , وهو ما يكنى من الشعر , كأن يسمي الألف فاختة , والباء صقرًا , والتاء عصفورًا ثم يردد الحروف . " ( )

      أما ابن وهب ( القرن الرابع الهجري ) فيفرد فصلاً للحديث عن المعمى تحت عنوان ( الكتابة الباطنية ) ويفرق بين التعمية والترجمة فيقول : " التعمية غير الترجمة , فالترجمة ما ترجم به عن شكل الحرف , إما بشكل حرف آخر يبدل منه , أو بصورة تـُخترع له ليست من صور الحروف , أما ما تـُرجم عنه بحرف مثله فهو كوضعنا العين مكان الجيم , والألف مكان الواو ... وقد يكون هذا النوع من الترجمة في بعض الحروف , وقد يكون في سائرها . وأما ما تـُرجم عنه بصورة مخترعة له فهو كثير في الترجمة , ولكل إنسان أن يخترع منه ما أحب ." ( )

 وقد بذل محمد مراياتي ومحمد الطيان ويحي ميرعلم مؤلفو كتاب ( علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب ) في جزأين كبيرين جهدًا علميًا مميزًا في تحقيق مخطوطات عربية كانت مجهولة في علم التعمية , ووضعوا جهود العلماء العرب في التأليف في هذا العلم تحت ضوء علمي فاحص , ودرسوا بعض تلك الكتب , وحللوا محتواها , وفصّلوا على أساسها القول في طرق التعمية لدى العرب , ووضعوا تلك الطرق في سياق مستجدات هذا العلم في زمننا هذا .ومما فصلوه من طرق فك التعمية طريقة  استعمال الفواتح التقليدية المحتملة للرسائل , وهو ما سمي حديثًا بالكلمة المحتملة الورود" ( )

    وقد كان الخليل بن أحمد بتوقد ذهنه وقوة حدسه أول من فكر بمفتاح الكلمة المحتملة , فكان هذا المفتاح أساسًا أوليًا هيأ له ابتكار علم التعمية ووضع أول كتاب في المعمى . وقد توقف علماء جاءوا بعد الخليل بن أحمد عند هذه الطريقة الأخيرة " الكلمة المحتملة " مثل الكندي , ( ) ومثل ابن وهب ( ) , ومثل ابن عدلان الذي أولى هذه الطريقة أهمية عظيمة . ( ) 

وكانت فكرة ( الكلمة المحتملة ) أول خطوات الخليل بن أحمد العلمية لفك رسالة ملك اليونان . وتلك الخطوات هي موضوع المقالة القادمة .