الصفحة الرئيسية
 /  
أضاليل حول الخليل 4
 /  
رجوع

أضاليل حول الخليل 4


أتوقف في هذه المقالة  عند عدد من الكلمات المهمة في الخبر عن فك الخليل لرسالة ملك اليونان وقبل ذلك يحسن التذكير بنص الزبيدي وابن نباتة اللذين ورد فيهما الخبر , قال الزبيدي  :  " ويروى أن ملك اليونانية كتب إلى الخليل بن أحمد كتابًا باليونانية ، فخلا بالكتاب شهرًا حتى فهمه . فقيل له في ذلك ، فقال: قلت إنه لابد له من أن يفتح الكتاب ببسم الله أو ما أشبهه ، فبنيت أول حروفه على ذلك ، فاقتاس لي . فكان هذا الأصل الذي عمل له الخليل كتاب (المُعـمىّ)".

وقد أورد الخبر كذلك ابن نباتة  فقال وهو يتحدث عن فك المعمى :" ويسمى الآن المترجم ولها طرائق مذكورة تعين على استخراجها . وأول من وضعها الخليل واضع العروض ...  ثم استخرج المعمى , وهو أيضًا  أول من نظر فيه , وذلك أن بعض يونان كتب بلغتهم كتابًا إلى الخليل فخلا به شهرًا حتى فهمه فقيل له في ذلك فقال : علمت أنه لابد وأن يفتح باسم الله تعالى , فبنيت على ذلك , وقست عليه , وجعلته أصلاً ففتحته , ثم وضعت كتاب المعمى .".

إن الكلمات الواردة عند الزبيدي وابن نباتة اللذين نقلا كلام الخليل عن نفسه أو وصفا ما عمل مهمة ؛ لأنها كلمات دالة على الخطوات العقلية والعلمية التي اتبعها الخليل لاكتشاف علم المعمى , والكلمات هي :

 علمت , وافتراضه الكلمة المحتملة وهي الكلمة الافتتاحية , وبنيت , وقست , وكان هذا الأصل ( من نص الزبيدي ) أو : وجعلته أصلاً ( من نص ابن نباتة ) , وفتحت , ووضعت كتاب المعمى :

  1.  الحدس والفرضية  : في نص الزبيدي "قلت لابد أن يفتح " , وفي نص ابن نباتة  "علمت أنه لابد يفتتح " , فـــ  "علمت " و " لابد" تدلان على حدس علمي من رجل علم خبير ألمعي , وهو حدس قارب يقين العلم .

كما أنه اهتدى إلى مفتاح مهم سمي فيما بعد بــ ( الكلمة المحتملة ) , وقد مر الحديث عن هذا المفتاح في المقالة السابقة . وكانت الخطوة البارعة أنه فكر أولاً بأن الكلمة المحتملة ستكون من التمجيدات الافتتاحية أو كما قال : " قلت لابد أن يفتح ببسم الله أو ما أشبهه" ومن خلال هذا الحدس القوي الموفق انتقل لمراحل موفقة تالية لفك معمى الرسالة .

  1.  التفكير بالبنية وبناء النص وهيكله ( ): من الخبر في نص الزبيدي : " بنيت أول حروفه " , من الخبر في نص ابن نباتة : " فبنيت على ذلك " وهي خطوة مهمة تدل على نقل الفرضية من مجرد فكرة إلى قالب أو بنية معينة . وبناء الحروف هنا يقوم عنده , وفقَا لقوانين علم التعمية التي أرساها ثم نُضدت لاحقًا , على مبدأ الاستبدال والاستعاضة فيستعيض عن حروف يونانية حسب تواترها وموضعها تلك الحروف التي استفادها من الكلمة المحتملة , يستبدلها وفق قانونه الخاص الذي ابتكره بحروف عربية أو رموز محددة .
  2.  القياس :  في نص الزبيدي : " فاقتاس لي " وفي نص ابن نباتة " وقست ".
  3. تحويل تلك الفرضية إلى أصل وقانون : أي جعل البنية والقياس المعمول به أصلاً ومفتاحًا لبدء العمل به يقول " وجعلته أصلاً " .
  4. الاختبار والتجريب والفتح : فبعد الحدس والفرضية , وبعد نقل الفرضية من مرحلة الفكرة إلى القالب والبنية المختارة , وبعد القياس ينتقل إلى مرحلة تجريب المفتاح لفك المعمى بعد أن حوله إلى أصل كما قال يجرب المفتاح فينفتح له ما كان مغلقًا , يقول :" ففتحته "
  5. وضع العلم وإرساء أسسه وأصله ( ) : إذًا بعد كل تلك الخطوات العلمية واستجابة نص الرسالة لما وضعه من فرضية وما سكه من بنية محددة بوصفها مفتاحًا , وبعد أن جرب المفتاح وطبقه , واتضح له صواب خطواته العلمية تبين له أنه وضع يده على قوانين علم أرسى أصله فوضع علم المعمى ,  جاء في نص ابن نباتة قول الخليل في آخر الخبر : " ثم وضعت كتاب المعمى "  ومن نص الزبيدي  " فكان هذا الأصل الذي عمل له الخليل كتاب المعمى "

تلك خطوات علمية مهمة أمكن استنتاجها من هذين النصين اللذين نُقلا عن ابتكار الخليل لعلم التعمية واستخراج المعمى . وقد عرضت في المقالات السابقة ومن خلال هذا التحليل في مقالتي اليوم ما يفند الأضلولة الأولى حول الخليل .