الصفحة الرئيسية
 /  
جدة التفاحات
 /  
رجوع

جدة التفاحات


تحدثت في المقالة الماضية المعنونة بالجميلة النائمة عن كذب الذات الذي هو اعتقاد الوصول والكشف الذي يسلم إلى النوم اللذيذ في شهد الشهادة؛ فيبدو الشهد مثل التفاحة المسمومة التي تخدر الذات، وقد كنت أفكر في الحيلة التي تستدرج بها الذات الجميلة لتنام، أتتحمل الذات وحدها المسؤولية ام ان ثمة اصابع تُجمل وتُلمّع التفاح؟ وترى أنأكل نحن تفاحة الوجود أم أن تفاحة الوجود تأكلنا فتغور اصواتنا، نبلعها أو تبتلعنا أسماء الأشياء وحناجر الاسئلة، ونغص بها وتغص بنا؟

 

ومادمت أتحدث عن شهوة المعرفة وغيبوبة السم والأجوبة، ما دمت أتناول تفاحة من السلة فلا بد أن أغوص قليلاً في السلالة، لابد ان تحضر جدة التفاحات الكبرى!!

جدة التفاحات، تلك التي يعادلها بعض الدارسين بالثمرة المحرمة في قصة الخلق، وكأن شهية المعرفة تبدو منذ البدء ملتبسة بالإثم، وهو موضوع تناولته في كثير من المقالات في هذه الزاوية في العام الماضي. لكنني وغصة الاسئلة تتكور دائمًا في الحلق والخلق سأتوقف الآن عند الحنجرة!!

ترى أتحولت شهية الأكل والقضم والتعرف في فم آدم من مجرد تفاحة إلى شهية السؤال والكلام وحوار الوجود فغصَّ بإثم السؤال وتوقفت التفاحة في حنجرته، فصارت تفاحة الحنجرة رمزًا لإرث يتوارث من الهم المعرفي والوجودي؟ وهل يا ترى خُلقت تفاحة آدم في حنجرته قبل الوقوف في الجنة أم جُوّفت وهُيئت لتُملأ بسلال التفاح من الاسئلة ومشاغبات الوجود و اجتراحات الفضول والعصيان؟

وهل يا ترى مازالت تفاحة آدم ( واستخدم مصطلح تفاحة آدم على غرار البيلوجيين، وربما هم الحقوا حواء به، وأحالوها عليه حسب تراتبية نوعية وأقول تراتبية قاصدة إلى ان التقسيم البيولوجي لا يخلو من النظرة إلى الانثى من خلال قانون الاستتباع ولإلحاق والنظر اليها من وجهة السلب وليس من تلك النظرة التي ترى اليها بوصفها كائنًا مستقلاً بخصائصه دون معارضته ومقارنته سلبًا بالذكر. ومن هنا لا أستبعد ان تكون تلك التفاحة – في نظرهم – من مزايا الرجل، وربما هي نظرة لا تبعد كثيرًا عن نظرة بعض البسطاء العفوية الذين تصادف ان سمعت إجابتهم في برنامج عن الصحة وكان السؤال الكلى عن عددها وعن موضعها في جسم الإنسان، فكانت الأخطاء تترى، لكن اشنعها ما عكس الاعتقاد بان الرجل يملك كلية واحدة فقط، وان المرأة تملك اثنتين بلهجة التفاخر والزهو والتميز، وربما توقفت لاحقا عند هذا الفخر لقراءة ما يخفيه مجدولا بما تعكسه الأرقام مجدولاً أيضًا بمعنى الآحاد والتثنية، ذلك الحس المتوارث الذي يجعل التضاعف للنساء في ضوء تركيبة ذهنية ووجدانية لا تستطيع الفكاك من موروث يجعلها – التركيبة- تتحرك من منطق الهيمنة والنظرة الدونية، ونظرة الاصل والفرع!!) كان هذا الاستطراد الطويل ضروريًا حول تفاحة آدم، الاستطراد الذي قطع التساؤل السابق ترى أما زالت تفاحة آدم غضة طرية أم أن القرون وأنواع الهيمنات والتشويهات تواترت على إعطاب آلية جوّفتها خشخشات الثرثرة والخواء، وأصبحت مجرد قشرة مدورة مثقوبة تمرر الخواء و الهواء وانتفاخ الذات؟ أما زالت غضة ام انها هي الاخرى صارت تفاحة مسمومة – فأسوأ أنواع التفاحات المسمومة تفاحات الحناجر – ما مر من خلالها صوت ولا مر حرف إلا وتخدّر وخرج مريضًا أو ناقصًا أو ميتا؟؟

وحواء مالها؟ يبدو انها في نظرهم (البيولوجيين) لا تملك واحدة، لأنهم حين سموا تفاحة الحنجرة بتفاحة آدم للدلالة على ذلك الجزء الصغير في المرأة وفي الرجل معًا –يبدو انهم قد قصوا بعض جهازها الصوتي، ان لم يكن كله، وربما لم تكن – آنذاك !!- قد نبتت لها قصبة تمرّر من خلالها شهدًا أو سمًا للتفاح مثله!! أو ربما لأنها بلعت صوتها وغارت في السم الاول والشهد الاول واستغرقت في الغيبوبة، غيبوبة الجميلة النائمة، غيبوبة لم تنقذها منها قبلة الفارس المنقذ الجميل، بل انقذت بعضهن نفسها بقبلة الكلمات والجمال من داخلها، بقبلة تأتي من صوتها هي تمرر "عبر النقاط المغلقة لتشرع نوافذ السؤال فتفوح في المكان روائح جنائن التفاح عبر قصبة اليراع وحنجرة قلم حر من عقد الاستلاب!!

٭٭٭٭٭٭

نصف تفاحة: (كأني ألمح في حدقتي شفتيكِ/ سؤالاً صام عن الكلام/ و تيبست عروقه من العطش / حتى اذا همّت حدقة تستجير/ طفر من بينهما كالنعش!!)