الصفحة الرئيسية
 /  
بدد لا يخصك وحدك 1
 /  
رجوع

بدد لا يخصك وحدك 1


حينما نتحدث عن الحب فلا بد أن شيئـًا انبثافيـًا، أو شيئـًا يشبهه يحدث. فثمة انبثاق مفاجئ، يداهم كينونتك لتدرك معنى الصيرورة فيها.فالحب يتسلل لا وفق خطة منظمة، بل كيفما اتفق مدفوعًا بهدير ذاته. وهو مباغت، ولكنه مع ذلك بطيء كسم كسول، ومتباهٍ كطاقة حياة لا شيء يردها عن دربها. وهو فوضوي التحرك و المظهر، ولكنه، في العمق، له لباقات وذوق ومنطق فذ فريد يعيد ترتيب الكون، ويزيل الضباب عن الرؤية والرؤيا فيمنحك الإحساس بالقدرة على رؤية ما لم تكن تراه على الرغم من أنه كان موجودًا على الدوام حولك وأمام ناظريك..


ومع ذلك فهو مراوغ بارع لا يطاق، يمكنه، إذا استبدّ بك، أن يعيدك إلى نقطة الصفر، إلى حالة من الضباب الكثيف حتى لا تعود ترى دربك أو نفسك وتختلط عليك الأزمنة والأمكنة، وتدخل في دوار التيه.

لذا سأسمح لنفسي أن أكتب عنه كيفما اتفق ، فسيفساء من الهذيان والصحو يليق بعظمته وجبروته، يليق بأسراره وانكشافاته وتجلياته، يليق بما يقوله لنا ونقوله له، وننسج من نصنا معه شبكة أوهام نتعلق بها لنحيا، ثم نشكو أننا بسببها نفقد الحياة!! ويتحول بذلك بها الكائن إلى كذّاب جاحد ناكر فاقد للذاكرة، لا يمتلك من ذاكرته مع السر إلا نعيمـًا يلوح في السرد كآخر لمعة من ضوء يبرق في حلم مغادر!!

إذًا نحن نتعلم في الحب كيف نتمزق بين الانكماش في التكتم في ما نسميه سر الحب وبين التبدد القسري في الانسياب والتلذذ في الاطناب في السرد.بين السر والسرد ثمة طيّات وطيّات من وجود الكائن يتعلم _ في الحب_ أن يفكّ أبجديتها مثلما يتهجى طفل حروفه العسرة، والتي بعد أن يتعلمها سيوالي، طوال عمره، تكرارها بلا ملل، ففي الحب يقرأ المرء فرحه ومأساته الفريدة. في الحب يقرأ المرء فرادة قدره، ويفكّ حروف الجمل واحدة واحدة تلو الأخرى، ليتعلم بعد ذلك مرارة ما قيل له: (المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين) ليعرف لاحقـًا أن هذا المكتوب الذي هو وشم على لوحه المحفوظ، هذا المكتوب الذي لابد أن يقرأه ليس على الجبين وإنما على خط غير مرئي أو منظور خط منثور على صفحة أيامه، يقطعه لحظة بلحظة، وكلما قطع لحظة فيه ووطئ سطر لحظتها وأشرف تحققها صارت ماضيـًا يقص أثره في الروح والخبرة الشعورية. ومن هنا، من قصّ الأثر، يتبع العاشق تيهه الخاص ويبحث عن معناه!!! العاشق عابر سبيل، متجول حول ضفاف نفسه ومقذوف في تيه الآخر!!