الصفحة الرئيسية
 /  
بدد لا يخصك وحدك 2
 /  
رجوع

بدد لا يخصك وحدك 2


في تقاذف الحب يين السر وفيض السرد تيه لا يطاق؛ فثمة سرد في سر الكائن يظل يطنّ في روحه، ويفيض به ومنه وفيه على ذات تتلصص على الكون من خلال ما تدركه من لغة تطفو بها على وجه ذاتها، لتتعرف من خلالها على وجه آخر يلوح لكن منشغل بالتلصص على ذاته وهي تُخطف نحو نص تتقرى ملامحه وتقرأ فيه ذاتها و آخرها معـًا.


في الحب تضاعف وحشي يقضي على وهم التماهي والتوحد. فمن أقسى الأمور في الحب أن يجبرك على تعلم هذا الدرس، وستمضي صعوبات قاتلة قبل أن تتفهم هذا الدرس وتعيه، ثم ستمر بصعوبات أخرى مثلها قبل أن تتقبل فداحة مثل هذا الدرس واقعيـًا، لأن التمزق و الانشطار هو تحديدًا ما يدفعك نحو الحب، نحو وهمه لتجد الذات موئل اكتمالها، وتختبر كمالها، لكنها تفاجئ بأن ما سعت إليه كملاذ يتكشف عن بدد لا يسعه حد ولا تحيط به طاقة أو احتمال!!

العاشق إذًا عابر في تيهه وفي بدد لا يخصه وحده، يوغل في حقيقة كالكذب وكذب كالحقيقة، عالم كله متناقضات وعجائب تدعم بعضها وتكمّله وتجمّل فضاءه وترتهنه في إغواءات زيفه الكامل وكماله المزيف. إن ما ينتهك الإحساس تحرسه الذاكرة، ولذلك فالعاشق مغلول إلى ذاكرته في الوقت الذي يظن فيه أن مغلول إلى إحساسه الحاضر، إنه دائمـًا في حالة إنكار، لا يستطيع أن ينسى لأنه لا يفعل سوى الإبحار في عمق إحساس مرتهن ومنتهك، ولذلك لا يعيش الحاضر إلا بسيطرة الذاكرة التي تحرس حزنه لتتأكد من أنه لم يفلت منه صوب النسيان.

العاشق مسحول على خوازيق اليقظة الجارحة والوعي المرهف المشحوذ على حافة الهاوية التي تذكره دائمـًا بأن الموت خيار ممكن لطيف وكريم ويُرممّ فعلاً كذبة الحياة بصدقه الذي لا يضاهى.

كل حب سرد لقصة الموت. فوقائع الحب، إذ تمر بمآزق وظروف معقدة وغير طبيعية، تصبح كارثية مأساوية، ومن هنا قد يأخذ السرد منعطف الخرافة و الأسطرة. ففي الحب نملك سردنا الخاص، تفردنا المأساوي ونصنع أسطورتنا. ندخل في الأسطرة حينما تستحيل بهجة السرد ونعيم السر، حينما ينحشر الكائن بين السر والسرد، وبين الراء والدال ويصبح مخنوقـًا في الراء والدال (رد). فبماذا يرد الكائن على سر امتناعه وتحققه في الكينونة؟! بماذا يرد على عجزه عن التحقق فيما يحب وفيمن يحب؟ أينزاح هنا عن الواقع أم عن الحلم؟ أيوغل في الحقيقة أم يسافر في أسطورة أوغلت في حقيقتها حتى فقدت عقلها؟!

حين يوغل في التيه بين السر والسرد يتقوض الكائن بين سر فرح لا يتحقق وبين سرد يعيشه لحظة لحظة بدلاً من أن يقصه ويقصيه كحلم منفي خارج الإمكان. ترى من أين للبشرية مهاوٍ سحيقة تُراكم فيها أحلامها المنفية المقصاة قهرًا أو اختيارًا؟