الصفحة الرئيسية
 /  
حراس المعنى
 /  
رجوع

حراس المعنى



ناقش (ت.س.إليوت ) في كتابه (فائدة الشعر وفائدة النقد) ضمن ما ناقش من مسائل الشعر والنقد الكثيرة والمليئة بالجدل مسألة الهوس بالبحث عن معنى وبفهم محدد ومباشر للقصيدة .وعرض بالتفصيل حالة الذعر من عدم إيجاد المعنى التي تحصل  للشاعر وهو يعمل قصيدته وتحصل للناقد كذلك وهو يتفاعل مع القصيدة .

ويرى إليوت أن هذا الذعر يعود إلى أن القارئ يربك نفسه بالحذر من أن يؤخذ بالقصيدة , ويرى أن القارئ المخضرم هو من تجاوز الارتباكات الأولى أمام القصيدة , ووصل إلى درجة من الصفاء لا يشغل نفسه معها بمشكلة الفهم ، على الأقل في المرحلة الأولى من التفاعل مع القصيدة . ويقول عن نفسه " إني لأعلم أن كثيرًا من الشعر الذي أحبه هو من الشعر الذي لم أفهمه عند قراءته للمرة الأولى , وبعضه شعر لست متأكدًا أني أفهمه حتى الآن ؛ ومثال ذلك شعر شكسبير "(1)

 ثم تناول إليوت إلحاح فكرة المعنى وفائدة إبرازه في القصيدة لدى بعض الشعراء . ويرى أن مثل هذا التفكير يقوم على نظرية الإشباع وهي استراتيجية يعمد إليها بعض الشعراء أحيانًا , وتقوم في وعيه ( أي الشاعر) على أن القارئ ككلب الحراسة يحتاج  إلى إسكاته وإلهائه بقطعة من اللحم حتى يمكن التسلل إلى البيت . يقول : " إن فائدة المعنى في القصيدة في المفهوم العادي ربما تكون في إشباع .. عادة واحدة من عادات القارئ وذلك من أجل صرف عقله عن الأمور الأخرى ، وجعله هادئًا حتى تُحدث القصيدة أثرها فيه . وشأن المعنى في ذلك شأن السارق المتحايل يمتلك دائمًا قطعة من اللحم الجيد يقدمها لكلب المنزل. "(2)

  ومع ذلك يقرر إليوت أن عقول الشعراء لا تعمل جميعها في هذا الاتجاه ؛ إذ إن بعضهم يفترضون عقولاً في القراء تشبه عقولهم , تضيق بالمعنى , ويمكنها أن تتصور تكثيف المعنى من خلال إلغائه .

ولكن السؤال هل يمكن أن نحصل على رسم بياني وإحصاء دقيق يميز لنا نسب هؤلاء القراء وهؤلاء الشعراء وألوان الطيف الواسعة بين النوعين ؟ كم لدينا من القراء الكلاب (حُراس المعنى) ؟ وكم لدينا من المتسللين والحرامية والمزيفين من الشعراء ؟ وبالمناسبة ومجاراة لتشبيه إليوت أتساءل : هؤلاء الحراس من درّبهم ؟ وماذا يحرسون ؟ ومن خولهم بذلك ؟ ثم من بعد كل هذا لماذا يستمر استبداد القارئ وهيمنته ؟ وإلى متى تُهمل دراسة مثل هذه المسائل مصحوبة بإيقاع العصر ولغة السوق وقيم الاستهلاك ؟

 


1 - ت.س.إليوت.فائدة الشعر وفائدة النقد ترجمة يوسف نور الدين (بيروت ، دار القلم ط.الأولى 1982م) ص 144.

2 - المصدر السابق ص 144 .