الصفحة الرئيسية
 /  
سيدة الدمى
 /  
رجوع

سيدة الدمى


أذكرها الآن جيدًا ، تنهض الآن من ذاكراتي ، وعلى الرغم من صغرها فهي تسد الأفق الآن ، وتنتشر في كل مكان ، قطنها المندوف يملأ الكون كله . أذكر تلك الدمية التي لم تكن صغيره فحسب بل كانت بحجم طفولتنا النحيلة ، ولأنها كانت دمية من القطن المنفوخ فقد كانت تبدو عبلة بدينة كانت لعبتنا المفضلة (الصديقات وأنا ) كانت سيدة الدمى .

ذات يوم فوجئنا بها في حالة يرثى لها ممزقة متناثرة ، مبعثرة أعضاؤها ، وقطنها الأبيض يسيح على الأرض ، يملأ المكان !! اجتمعنا والصديقات نتساءل ما الذي حدث ؟ ومن المسؤول ؟

وتناقلت البنات روايات عن غيرة عروس الجن منها ، وبعضهن اقترحن غضب الساحرة العجوز ؟


 

وبعضهن قلن : إنها ربما أكثرت اللعب ، وبعضهن قلن : قد تسممت أو هرمت أو مرضت . لكننا ما استطعنا أن نكتشف من وراء هذه الحال المروعة إلا بعد مدة وجهد من التحريات التي تبرع فيها ، عادة ، الإناث ، فقد تبين لنا أن الأخ الأكبر لفرقة أولاد الحارة قد عمل هذا إغاظة للفتيات ، لأنهن رفضن ذات يوم أن يسمحن باستعارة سيدة الدمى ليثبتها في مرمى كرة القدم وراء الحارس لمزيد من اللهو والإشغال والخديعة . وردًا لكيد الفريق المتآمر قررت الفتيات العودة إلى الدمية الممزقة . حاولنا خياطتها من جديد ، ونجحنا إلى حد كبير ، لكنها لم تعد أبدًا كما كانت . ظلت غير متماسكة تمامًا وبقيت شبه مهلهلة ، أصابعنا الصغيره الحزينة لم تستطع إخفاء المزق ، ولم تحسن رتق كل الجروح في نسيجها الغض ، كان قطنها الأبيض يطل من بين الغرز ، وأخذ لونه يحول يوماً بعد يوم ، كما أنها أخذت تفقد لياقتها وتماسكها ، حيث نزلت كميات من قطنها إلى قاع الرجلين ، أو عند المنحنيات والمفاصل ، فبدت بعض أجزاء جسمها الخاوية من القطن كقماش متدل متهاوٍ ، وفي مناطق أخرى من جسدها المسكين كانت تبدو أحياناً قطع قاسية متجمدة متجلطة صلبة لكنها صلابة متعقدة على نفسها ، حيث تبدو قطعاً متجاورة لا متراصة في نسيج  قطني واحد . غدا منظرها بشعاً ، ويكسر النفس على نحو غير محتمل !! قررت مع صديقتي أن نعمل لها ظهرًا يساعد على تماسكها : قطعتان من الخشب تتقاطعان في الربع الأعلى من فوق . لكن هذه الخطوة لم تفلح تمامًا ، على الرغم من أننا جعلنا القطعة المعترضة بمثابة الكتفين والذراعين ، وجعلنا الأخرى بمثابة العمود الفقري . كان تمزقها الكبير أكبر من أن ترقعه أو ترتقه أناملنا الصغيرة . ثم بدأنا ( صديقتي وأنا ) نصنع الدمى من الخشب الأجرد العاري النحيل ، نضع قطعتين من الخشب متصالبتين عند اليدين والكتفين ونرفع فوق القطعة العمودية( تاج العروس )  وهي حلية أشبه بالهلال فوق منارة المسجد يطل من فوق وجه مدور نصنعه من قطعة مجففة من العجين الأبيض . نبرع في رسم العينين والأنف ، ونسدل بقطع من ( الشيلة السوداء ) ما نتخيله شعر الدمية ، ولم ننتبه إلى التنوع والتكامل والغنى في تكوين دُمانا إلى أن كبرنا !! ولما كبرنا كانت سيدة الدمى تطل كلما طار قطن أو تدلى من خارطتنا العربية !!