( المضاف إلى نفسه ) كتاب صادر حديثًا لزياد السالم ، يضم الكتاب نصوصًا إبداعية يصعب الإمساك بهويتها الشكلية ، حتى إنه يصعب أن تضيف أو تضاف إلى الشعر أو قصيدة النثر أو القصة القصيرة الممتزجة بالشعر ، يمكن فقط أن تضاف إلى نفسها ، كنوع من الارتداد المفارق أو النكوصي إلى شرنقة منكسرة أو مغتربة , وهي تدخل في وهمها أو حلمها بأن تتحرر وتكون ذاتها فحسب . فهل نجح زياد ؟
أوحى إليّ العنوان مباشرة بمقولة ( المضاف إليه ) النحوية ، ولهذا الإيحاء قرائن قوية دعمته حينما توغلت في القراءة ؛ فالمضاف مربوط بما يضاف إليه ، مشدود ومقيد بالنظام والقاعدة السارية في عرف النحاة . فهل لهذا أثر مباشر في تأمل الدلالات الأبعد والأعمق لنصوص كتاب زياد (ولاحظ أن زيادًا هنا مضاف إلى كتابه ) ؟ لنتقدم إذًا خطوة أخرى لنلمح الذي يختفي وراء القول ويشكل دافعًا واعيًا أو لا واعيًا يجعل الرؤية والرؤيا في هذا التشكيل النصي يشرئب مضافًا إلى نفسه فحسب .
يلاحظ القارىء النفور من فكرة السلالة تسري في النص ، النفور من سلالة الآباء ، وذاكرة الأسلاف . ويمكن للقارئ أن ينتبه هنا إلى أن فكرة الانفلات ، أو الرغبة المعلنة في الانفلات من تلك السلالة وتلك الذاكرة لا تتعلق بالبعد الإنساني الاجتماعي فحسب ، وإنما تنعكس أيضًا على الجانب الجمالي الفني المتمثل في الحلم بإيجاد بصمة خاصة أو الحلم بالتوصل إلى تشكيل فني جديد يميز الكاتب ، يجعله بلا نسب وبلا إرث فني يربطه بأب شعري أو ذاكرة أدبية . إن فكرة الصنم المشتهى كسره الكامنة وراء هذه الرغبة تفضي إلى شيء يمكن الانتباه إليه وهو أننا ربما وجدنا صنمًا آخر يُصنع من هذه الأنقاض ، أو من طين جديد يغرق الكاتب في نحته فيغرق معه القارئ في مطاردة لعبة الفن التي تلاحق فلول الفوضى ، فوضى الشكل الذي ينتظر من يحوله إلى تمثال يقول كهنوته الخاص .
محاولة القبض على الشكل الفني من الفوضى الوجودية والشعورية يمثلها خير تمثيل نصه (الدخان), ففيه ملاحقة لا تفتر من أجل تقصي شكل الدخان وروحه ومحاوله للتوصل إلى هويته . فثمة معنى مجازي قار وراء الدخان من جهة , ومن جهة أحرى ثمة محاولة لأنسنة هذا الدخان الذي يبدو متماهيًا في مجازيته مع حلم التشكيـل . إن الشاعر وهو يتأمل حركة الدخان وفوضاه ، حيويته وتحرر هويته من الشكل الجامد يمثل هواجس الشاعر نحو الشكيل الفني المتحرر من السلالة .
إن هاجس الفوضى الذي ينتج الشكـل ذكـرني بالقصيدة الشهيرة ( لروبرت فروست ) المسماة ( عناد ) والتي يقول فيها :
" دع الفوضى تعصف
دع الغيوم تكون حشدًا
إنني أنتظر الشكل . " ( ينظر : فرانكلين ر.روجرز , الشعر والرسم . ترجمة مي مظفر ، بغداد , دار المأمون 1990م ) ص 60 .
ففوضى الحياة ودوارها ودورانها أحيانًا كثيرة يمنحان الإنسان , والفنان خاصة , شيئًا من المعنى . والفنان يعثر على شكل نصه من تقطير الفوضى والشتات الوجودي .