الصفحة الرئيسية
 /  
الشعر بين الأرجل والأقدام 2
 /  
رجوع

الشعر بين الأرجل والأقدام 2


     أشرت في المقالة السابقة إلى ارتباط النظام العروضي للغة ما بنظامها اللغوي أساسًا وبنية الأصوات فيها , كما أشرت إلى اللبس والخلط بين المصطلحات والمفاهيم العروضية .

    وأتوقف في هذه المقالة اليوم لأعرض هذه الدراسة عند  مصطلح ( الأرجل ) العروضي , وأتتبع بدايات ظهوره لدى العرب قديمًا , وكيف استعملوه وماذا يعني عندهم , ثم سأتتبعه عند النقاد والدارسين العرب المحدثين , وأبين لماذا يستخدم بعضهم مصطلح ( رجل ) , ولماذا بعض آخر يستخدم مصطلح ( قدم) عوضًا عن ( رجل ) . ثم أتوقف لأتبين من أين جاءت الكلمة ؟ وفي أي الدلالات الإغريقية القديمة تتوغل . ومتى أخذت بعدها الاصطلاحي عند العرب .

     سأبدأ أولاً بالقول إن تتبع بدايات استعمال العرب القدامى لهذا المصطلح كان مضنيًا , فقد وجدت أولاً إشارات إلى ثقافة البيروني ومعرفته الجيدة بالأدب اليوناني , وظننت في البداية أن البيروني ( المتوفى سنة 440ه )  أول من أشار إلى مصطلح ( رجل ). ولكني وأنا أقرأ كتاب ( علم التعمية واستخراج المعمى عند العرب ) وجدت ضمن الكتاب الذي عني بتحقيق عدد من المخطوطات في هذا العلم _ وجدت للكندي المتوفى سنة 260ه رسالة في استخراج المعمى , وفيها يرد ضمن الطرق التي يعددها الكندي لفك التعمية وفيها يقول :" فهذه الحيلة التي تستنبط بها الحروف المعماة شعرًا كانت أو غيره , وهي أن الأبيات تفصل بقوافيها إن كانت معماة  ثم يُعدّ ما في البيت من الحروف ويُعرضُ على [أرجل] جميع الأوزان , أعني [ بالأرجل ]التفاعيل في اللسان العربي ."

وقد وضعت كلمة أرجل بيت قوسين معقوفين لأني صوبتهما ؛ فقد وردت في النص المحقق المطبوع هكذا ( أرحل ) , وقد صوبتها إلى أرجل , لقرائن علمية ستأتي لاحقًا , وقد راسلت بخصوصها محققي مخطوطات الكتاب , ووافقوني الرأي بأن ثمة تصحيفًا في هذا النص وفقًا لما سقته من أدلة .

   المهم هنا أن رسالة الكندي –  كما اتضح لي –  هي أول مصدر عربي قديم ترد فيه كلمة أرجل , وقد شرحها الكندي بقوله " أعني بالأرجل التفاعيل في اللسان العربي ." ومن قول الكندي هذا يتضح أنها بهذا المعنى وافدة إلى الثقافة العربية ؛ بدليل قوله إنها تقابل التفاعيل في اللسان العربي , ولكنه لم يشر إلى اليونانية كما سنرى في النص التالي .