تناولت في المقالة السابقة النص الرابع من النصوص العربية القديمة التي تناولت مصطلح ( الأرجل ) العروضي وهو نص مهم للبيروني . ولعل القارئ لاحظ أن كل من تناولت نصوصهم ليسوا من النقاد أو الأدباء , فالثلاثة الأُول الكندي والفارابي وابن سينا فلاسفة , والبيروني والشهرستاني مؤرخا أديان وأفكار , فأين دور النقاد إذًا ؟ لعلنا كنا بحاجة أن ننتظر حتى القرن السابع للهجرة ليظهر هذا المصطلح في كتاب نقدي , وهذا الكتاب هو كتاب ( منهاج البلغاء وسراج الأدباء ) لحازم القرطاجني .
كان حازم القرطاجني المتوفى سنة 684ه شديد التأثر بالفلسفة عامة , وكان تأثير أفكار ابن سينا عليه واضحًا . وكتابه ( منهاج البلغاء وسراج الأدباء ) يكشف عن ثقافته الواسعة التي امتدت أيضًا للثقافة اليونانية , ولعل ذلك كان ممهدًا لظهور مصطلح ( الأرجل ) في كتابه .
وفي هذا الكتاب يخصص حازم قسمًا مهمًا منه بعنوان : المنهج الثاني في الإبانة عن أنماط الأوزان في التناسب , ويبدأ هذا القسم بــفصل يسميه " معلم دال على طرق العلم بمجاري الأوزان وأبنيتها وضروب تركيباتها ووضعها " وفي هذا القسم الخاص بالأوزان وضروب تركيباتها يمضي صفحات كثيرة يتحدث فيها عن الأوزان والبحور والتفعيلات المعروفة في العروض العربي دون أن تمر كلمة ( رجل ) أو ( أرجل) , ولكنه فجأة وهو يتحدث عن بحر السريع يقول :" وليس الجزء الواقع نهاية كلا الشطرين من هذا الوزن بمحذوف من غيره ولا مغير من سواه , وإنما هو مركب من سبب خفيف ووتد مجموع متضاعف , لأن الأرجل التي تتركب منها أجزاء جميع الأوزان ستة أصناف " ودون شرح لمعنى الأرجل يمضي حازم في تعداد الأصناف الستة من الأرجل وهي كالتالي :
ومن الواضح أن مفهوم الأرجل عند حازم مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالأسباب والأوتاد كما رأينا أعلاه ولكن مع ملاحظة أن تلك الأسباب والأوتاد لم تعد كما عرفناها عند الخليل , فالسبب عند الخليل نوعان : متحرك بعده ساكن وهو المسمى الخفيف , أو متحركان لا يتلوهما ساكن وهو الثقيل , لكن حازمًا يجدد ويضيف السبب المتوالي وهو متحرك يتوالى بعده ساكنان مثل قال بتسكين اللام .
وسأوالي أنا متابعة مصطلح الأرجل عند حازم في المقالة المقبلة