تحدثت في المقالة السابقة عن التباس في تصور الصفدي للشعر اليوناني , ووضحت تشابه قوله مع قول الشهرستاني إن الركن في الشعر اليوناني هو للمقدمات المخيلة , وليس الركن فيه الوزن . وقد أحلت ذلك إلى أنه ربما كان الصفدي وقبله الشهرستاني يقصدان القول الشعري على الإطلاق حسب ما فهمه فلاسفة العرب المتقدمين مثل الفارابي .
ولكن الصفدي بعد تلك المقدمة عن الشعر التي قد توحي بمعرفة بالشعر اليوناني ينسب قولاً إلى ابن صاعد الأندلسي , وفيه ترد الإشارة إلى مصطلح ( الأرجل ) لدى اليونانيين , يقول فيه :" وذكر لي العالم العلامة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن صاعد الأنصاري إن الشعر اليوناني له وزن مخصوص ، ولليونان عروض لبحور الشعر، والتفاعيل عندهم تسمى الأيدي والأرجل ؛ قال : ولا يبعد أن يكون وصل إلى الخليل بن أحمد شيء من ذلك , فأعانه على إبراز العروض إلى الوجود ".
والغريب في قول الصفدي هذا أنه بعد أن نفى وجود وزن للشعر اليوناني " وليس الشعر عندهم ما يكون ذا وزن وقافية ولا ذلك ركن فيه" يأتي بعده بقليل لينقل رأي ابن صاعد فينص على أن :
ولن أتوقف عند رأي ابن صاعد حول أخذ الخليل لعلم العروض عن اليونان , فذلك له موضع للبحث مستقل , وسيصرفني عن تتبعي لمصطلح ( الأرجل ) وكيف فهمه العرب قديمًا .
نص ابن صاعد هذا يثير عددًا من المسائل العلمية المهمة التي تقتضي الفحص والتدبر , وهي تشير إلى مستوى من الفهم حول العروض اليوناني وحول مصطلحاته . لكن أكثر ما يلفت النظر هنا أن ابن صاعد يورد مصطلحًا جديدًا بمعية مصطلح (الأرجل) هو مصطلح ( الأيدي ) وهذه هي المرة الأولى التي أجد فيها وأنا أتتبع مصطلح ( الأرجل ) من يذكر الأيدي بوصفها مصطلحًا عروضيًا يونانيًا . ويبدو أننا مقبلون في رحلة التتبع هذه على مستوى من الفهم مغاير , سأتوقف عنده في المقالة المقبلة بإذن الله .