الصفحة الرئيسية
 /  
شعر الخسارة 1
 /  
رجوع

شعر الخسارة 1


يعالج الناقد هارلود بلوم في كتابه ( قلق التأثر : نظرية في الشعر ) موضوعًا له أهميته وحساسيته , خاصة لدى الشعراء المحاصرين بإرث الآباء والأسلاف الشعريين الكبار . وبلوم يرى أن " التأثر الشعري يشكل مزيجًا بدئيًا من عقدتي القلق والكآبة ." ( )  ويقوم الإشكال لدى الشاعر اللاحق على مخاوف الوقوع في التكرار وأن يتحول إلى مجرد قادم متأخر .( )

      ويربط بلوم التأثر الشعري بما يسميه ( ظاهرة التنقيحية ) ويرى أن هذه  التنقيحية سواء أكانت في النظرية السياسية أم في علم النفس أم في اللاهوت أم في القانون أم في الشعرية قد بدلت الكثير من طبيعتها في وقتنا الراهن . وهو يرى أن :"سلف التنقيحية هو الهرطقة , ولكن الهرطقة كانت تميل إلى تغيير المعتقدات الجاهزة بإحداث تغيير في التوازنات أكثر من اللجوء إلى التصحيح المبتكر ، والذي هو سمة فارقة للتنقيحية الحديثة . الهرطقة ، بشكل عام، هي نتاج تبدل في اليقينية ، في حين إن التنقيحية تتماشى مع المعتقد الجاهز إلى نقطة معينة ، وبعدها تنحرف ، مؤكدة أن المعتقد الخاطئ قد تم تناوله ابتداء من تلك النقطة لا غير ." (  )

        ويعيد بلوم الفضل إلى ( بليك ) في مسألة التنقيحية تلك , ويقول عنه إنه هو أكثر منظري التنقيحية عمقًا وأصالة . ويجده سندًا لا يمكن الاستغناء عنه في تطوير أية نظرية جديدة حول التأثر الشعري . فـ ( بليك ) يرى أنه حينما يستعبد المرء بمنظومة السلف فهو في النتيجة يحرم من الابتكار بسبب العقلنة وإجراء المقارنات بين أعمال الشاعر اللاحق بمن سبقه من السلف . ومن هنا يقرر بلوم  إن التأثر الشعري هو مرض وعي الذات , وأن (بليك ) نفسه لم يكن لينجو من هذا القلق . ولذلك يخلص بلوم إلى القول إن التأثر الشعري ليس سوى " ربح وخسارة يندغم بشكل لا فكاك منه بمتاهة التاريخ ." ( )

   ومن أجل أن يميز بلوم طبيعة الربح يعود ( بلوم ) لـ ( بليك ) ليتأمل تمييزه بين الحالات والأفراد . ويقرر بلوم أن التأثر الشعري هو مرور الأفراد أو الخصوصيات عبر الحالات التي هي دائمًا في صيرورة مستمرة وفي حالة انزياح يقول : " ومثل كل أشكال التنقيحية التأثر الشعري هبة الروح التي تأتي إلينا فقط عبر ما يمكن تسميته بتجرد شذوذ الروح , أو ما أسماه بليك بشكل أدق شذوذ الحالات . " ( )

         ومن هِبَة الروح هذه وشذوذ الحالات يجد بلوم مساره نحو مصطلحه ( القراءة الضالة) . والقراءة الضالة هي واحدة من الخطوات الحتمية التي يمر بها الشاعر اللاحق في علاقته بالسلف في المسار الشعري أو التطور الشعري .