يجب أن نلقي بالسلم بعيدًا بعد أن نكون قد صعدنا عليه . هكذا قال فيتجنشتين ، وهو قول تفصله مئات من السنوات عن قول مشابه في التاوية لزاهوانج زي يقول فيه : " إن شبكة الصيد هي أفضل وسيلة لاصطياد السمك ، ولكن متى اصطدنا السمك ، رمينا الشبكة ونسيناها . " ([1])
وإذا كان القولان أعلاه قد نظر إليهما الدارسون من زاوية المواجهة بين اللغة والواقع وأننا نفكر باللغة التي نتحدثها , وننتج الفكر من خلال اللغة والواقع معًا ([2]) ، فإن ما أود أن استثمره هنا من هذين القولين كمدخل للحديث عن هذا المصطلح القرطاجني هو كيف أمكن لحازم ألا يرمي السلم وألا ينسى الشبكة ؟ ! فقوة التشبه هنا هي الوسيلة التي يهتم بها حازم ويصقلها بدلاً من أن يرميها أو يتجاهلها وينساها ليبين كيف يمكن مد الجسور بين التجربة والتجربة الشبيهة أو المتمثلة فنيًا وإنسانيًا ؟
منذ القديم وإلى عصرنا الحالي لم يكف النقاد والمنظرون لنظرية الأدب عن تناول علاقة الشاعر بالمرجعيات والواقع سواء أكان المرجع المقصود هو الواقع المحسوس , أم المرجع الفني والقواعد والقوانين والتقاليد الفنية , أم الواقع الذاتي والشخصي للأديب . وهذه المسألة أفضت إلى نقاش أمور مرتبطة بهذه المسألة تتعلق بالتجربة الشعرية وما يؤثر فيها وما تتأثر به كطبيعة التعامل مع المرجعيات والعاطفة والصدق والكذب ، والمحاكاة والذاتية والموضوعية ... الخ .
[1] - يي شوكسيان ، ينجيان : التجربة كحدث ، ضمن كتاب مفاهيم عالمية : التجربة . ترجمة عبد القادر قنيني ( بيروت , المركز الثقافي العربي . ط . الأولى 2005 م) ص 140 .
[2] - ينجيان ، التجربة كحدث ، ضمن كتاب مفاهيم عالمية ص 140 .
بحث بعنوان ( قوة التشبه بين التجربة الواقعية والأنا الفنية ) نشر في مجلة الخطاب الثقافي العدد الرابع سنة 2010 م
ومن ينظر في كتب النقد قديمها وحديثها سيجد قضية التجربة الشعرية تعالج من زوايا مختلفة، وأحيانًا تحت مسميات أخرى ، لكنها كلها تصب في مشكلاتها : مآزقها وضروراتها وكيفية الإجادة فيها ونجاحها في ترك أثر قوي على المتلقي . ومن هنا لم تخل كتب النقد من صفحات تُنظّر لكيفية صناعة النص الشعري والخطوات التي يجب أن يمر بها العمل الشعري ، والمهارات والمواهب التي يجب أن تتوافر في المبدع لينجح في ذلك .
وقد اهتم حازم القرطاجني في كتابه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء ) بالتنظير للعملية الشعرية ضمن ما اهتم به من قضايا النظرية الشعرية والنقدية . وتوقف عند ملكات الشاعر وقواه التي تمكنه من الإجادة في القول الشعري . ومن ضمن هذه القوى تحدث عن قوة سماها (قوة التشبه) ، فما هي قوة التشبه ؟ وما هي الأفكار التي عالجها فيها ؟ وما علاقتها بجهازه المعرفي والنظري والمصطلحي ؟ هذا ما تتناوله بالتفصيل هذه الدراسة .
مدخل إلى مصطلح ( قوة التشبّه ) عند حازم القرطاجني :
يتحدث حازم في قسم الأسلوب وهو القسم الرابع من كتابه (منهاج البلغاء وسراج الأدباء) عما يسميه قوة التشبه بعد حديثه مباشرة عن الأغراض الشعرية . يقول :" معرف دال على طرق المعرفة بما يوجد لبعض الخواطر من قوة على التشبه فيما لا يجري على السجية _ من تلك الأغراض _ بما يجري على السجية من ذلك . " ([1])
في هذا العنوان الذي يلخص موضوع فقراته التالية عن قوة التشبه يمكن أن نلاحظ أن قوة التشبه ذات علاقة وثيقة بما يسميه السجية أو الطبع ([2])، والتشبه هنا يتعلق بقوة تجعل السامع لا يشعر بالفرق بين ما جرى على السجية وما جرى عن طريق قوة التشبه . كما أنه واضح من هذا المدخل ارتباط هذه القوة بالغرض الذي يتناوله الشاعر .
بعد هذا العنوان أو المدخل الذي يضعه حازم لقوة التشبه يأخذ في تفصيل أفكاره عنها إذ يقول : " اعلم أن خير الشعر ما صدر عن فكر ولع بالفن والغرض الذي القول فيه ، مرتاح للجهة والمنحى الذي وجّه إليه كلامه لإقباله بكليته على ما يقوله وتوفير نشاط الخاطر وحّدته بالانصباب معه في شعبه والميل معه حيث مال به هواه . ولهذا كان أفضل النسيب ما صدر عن سجية نفس شجية وقريحة قريحة . وكذلك الإخوانيات والمراثي وما جرى هذا المجرى ... وقد توجد لبعض النفوس قوة تتشبه بها في ما جرت فيه من نسيب وغير ذلك على غير السجية بما جرى فيه على السجية من ذلـك ، فلا تكاد تفرق بينهما النفوس ولا يماز المطبوع فيها من المتطبع ، فإذا اتفق مع هذا حسن النظم تناصر الحسن في النظام والمنحى واعتمّ فلم يكن فيه مقدح . " ([3]) ويؤكد حازم في هذه الفقرة أهمية ما يسميه الفكر الولع بالفن والغرض والارتياح للجهة والمنحى([4]) الذي يتوجه إليه الشاعر بالكلام بكـليّته . ونلاحظ أن حازمًا مع قوله ( إن خير الشعر ما صدر عن فكر ولع بالفن والغرض ) لم يقل بصدور الشعر عن عاطفة أو عن قلب معلق بالتجربة الحقيقية ، ولكن يستعمل كلمة (فكر) بدلاً من المفردات ذات العلاقة المباشرة بالعاطفة أو الشعور ، وإن كان في تمام قوله بعض إشارة إلى الانصباب في شعب ما مال له هواه . ولكن يبدو أنه هوى فني ، أي هوى يتعلق بطرائق القول وإقبال الشاعر بكليّة قواه الفنية لما يريد أن يقول شعرًا فيه .
كما نلاحظ هنا أن حازمًا يتحدث عن قوة التشبه وعلاقتها بالغرض والسجية وفي ذهنه غرض النسيب تحديدًا ، وما له علاقة قوية بالعاطفة الحقيقية كالإخوانيات والمراثي . ولكن النسيب يأتي على قمة اهتمامه ، كما هو ظاهر من هذا النص ، فقد ذكره في هذا الموضع مرتين ، وسيعود لذكره في أكثر من موضع لاحقًا . وهذا أمر مهم يحسن التنبيه إليه وكأن ما يجري على السجية أو رأس ما يجري عليها ويهتم به من الأغراض هو النسيب والإخوانيات والمراثي . و يمكن الاستنتاج من هذا أن بقية الأغراض قائمة على التقليد الفني والإجادة فيها أقل صعوبة من تلك التي قد يفتضح أمر عدم الصدور فيها عن السجية .
ويمضى حازم في الحديث عن هذه القوة قائلاً : " واعلم أن المنحى الشعري نسيبًا كان أو مدحًا أو غير ذلك فإن نسبة الكلام المقول فيه إليه نسبة القلادة إلى الجيد ، لأن الألفاظ والمعاني كالـلآلي ، والوزن كالسلك ، والمنحى الذي هو مناط الكلام وبه اعتلاقه كالجيد له . فكما أن الحلي يزداد حسنه في الجيد الحسن ، فكذلك النظم إنما يظهر حسنه في المنحى الحسن فلذلك وجب أن يكون من له قوة التشبه المذكورة أكمل في هذه الصناعة ممن ليست له تلك القوة .. وكل من قويت فيه هذه القوة فلا يبعد عليه أن يلتفت إلى بعض مناحي شكاة الهوى في أشعارهم الجارين على سجاياهم مما لطف أسلوبه وظرُف منزعه ، وإن وقع ما كان بهذا الوصف تفاريق في تلك الأشعار ، فيحضر ماكان بهذا الوصف في خاطره ، ويسلط الفكر والتصور على استبانة الطرق التي من أجلها حسُن الكلام في منحاه وأسلوبه ومنزعه . فإذا استبان تلك الطرق على مابها من الخفاء على كثير من الأفكار استظهر بالقوة التشبيه ([5]) على انتهاج مثل تلك الطرق في كلامه ، ونصب ما قام بخاطره من تصورها تمثالاً يصوغ كلامه بحسبه ومنوالاً ينسج نظامه عليه ، جاء كأنه هو . " ([6])
ويؤكد حازم في الفقرة السابقة علاقة قوة التشبه بالمنحى والجهة والمنزع والأسلوب , ويهتم خاصة بمناحي النسيب ، مناحي شكاة الهوى كما قال ، ويشدد على أهمية أن تكون قوة التشبه لدى المبدع قادرة على صب النظم مستحضرة الطرق التي ينتهجها أولئك في المناحي والأساليب والمنازع, حتى لتتحول في خاطره كالتماثيل الجاهزة في الذهن ينسج على منوالها . ومن الواضح هنا أن قوة التشبه تتعلق تحديدًا بما لا يجري على السجية أو القريحة من الأغراض ، خاصة الأغراض الحميمة كالنسيب والإخوانيات والمراثي ، ولذلك فابتكار حازم لما يسميه (قوة التشبه) يأتي ليسد هذا الجانب الذي لا تسعفه القريحة ولكن يسعفه التصور لتمثال القول الشعري حسب التقاليد المرعية فيه .
قوة التشبه وغرض النسيب :
إن تركيز حازم على غرض النسيب وهو يتحدث عن قوة التشبه يكشف عن عمق تأمله في التراث الشعري لأعلام الشعراء الغزليين ، وهو يرسي مصطلحه (قوة التشبه ) وما يثيره حوله من أفكار وتنظيرات بالكشف عن طبيعة القول في النسيب وعلاقته بالتجربة الحقيقية مستندًا إلى حقائق ووقائع اجتماعية وتاريخية مشهورة . يقول : "واعلم أن هذه القوة لا تدرك بحرص , ولا تنال بجهد, بل قد يمنعها الحريص , ويمنحها غير الحريص . واعتبر ذلك بجرير و الفرزدق , فإن جريرًا على عفته, نسيبه في غاية الرقة وحسن الأسلوب ، والفرزدق ,على عهره وشدة ولوعه بالنساء ، نسيبه في نهاية الجفاء وقبح الأسلوب ، مع حرصه على أن يرقه ويُحسن أسلوبه _ وحسده لجرير حيث أنشد له فصولاً من نسيب منها :
متى كان الخيام بذي طلوح سقيت الغيث أيتها الخيام
فقال : " قاتله الله ! ما كان أحوجني مع فسقي إلى رقة شعره ، وما كان أحوجه مع عفته إلى خشونة شعري !" وكان الفرزدق قد أجّل عامًا في أن يصنع بيتًا رقيقًا في النسيب فقال بعد حول :
يا أخت ناجية بن مرة إنني أخشي عليك بني إن طلبوا دمي
فغلبه بعد هذه المطاولة طبعه , واعتاص عليه ما ليس في قوته . " ([7])
وحازم هنا يستغل هذا المأثور وهذه القصة ليقوي وجهة نظره حول قوة التشبه ويوضح أنها أشبه بالطبع إذا كانت قوية وأنه لا يلزم معها التجربة الحقيقية ، وأن التجربة الحقيقة ليست شرطًا لإجادة القول إذا كان الشاعر متمكنًا من فنه الشعري ومتوفرًا على قواه الضرورية .
والإشارة إلى عفة جرير في هذا النص قد لا تنفي عنه التجربة الحقيقية ([8]) ، لكن ما لا يمكن رده أو الاحتجاج ضده أن الفرزدق المولع بالنساء والعاشق لهن لم ينفعه ذلك في إجادة النسيب . ويبدو أن من كرروا هذا الخبر الذي يجمع بين جرير والفرزدق تناقلوا عبارة عفة جرير , التي تؤكد بأنه لم يعشق امرأة قط ، عن ابن قتيبة وعن الجاحظ .
أما ابن قتيبة فيورد العبارة أثناء حديثه عن اختلاف الشعراء في الطبع ، وأن بعضهم يجيد في غرض أو أغراض ويخفق أو يضعف في أغراض أخر . يقول : " والشعراء أيضًا في الطبع مختلفون منهم من يسهل عليه المديح ويعسر عليه الهجاء . ومنهم من يتيسر له المراثي ويتعذر عليه الغزل ... وكان الفرزدق زير نساء وصاحب غزل وكان مع ذلك لا يجيد التشبيب . وكان جرير عفيفًا عِزْهَاةً عن النساء ، وهو مع ذلك أحسن الناس تشبيبًا ، وكان الفرزدق يقول : ما أحوجه مع عفته إلى صلابة شعري ، وما أحوجني إلى رقة شعره لما ترون ." ([9])
و الجاحظ يورد الإشارة إلى جرير والفرزدق في سياق الحديث عن الطبع أيضًا . يقول الجاحظ : " وقد يكون الرجل له طبيعة في الحساب وليس له طبيعة في الكلام ... ويكون له طبع في تأليف الرسائل والخطب والأسجاع ولا يكون له طبع في قرض بيت شعر ... وهذا الفرزدق وكان مستهترًا بالنساء وكان زير غوان ، وهو مع ذلك ليس له بيت واحد في النسيب مذكور . مع حسده لجرير وجرير عفيف لم يعشق امرأة قط ، وهو مع ذلك أغزل الناس شعرًا ."([10])
وأبو الفرج الأصفهاني ينسب إلى جرير قوله : " ما عشقت قط ولو عشقت لنسبت نسبيًا تسمعه العجوز فتبكي على مافاتها من شبابها ." ([11])
ويبدو أن لتركيز حازم على غرض النسيب والإجادة فيه سببًا لا يظهر هنا في هذا السياق , لكن يمكن فهمه في سياق رؤيته الكلية لكيفية بناء القصيدة العربية وانصياعها للتقليد العربي , فالاهتمام بالنسيب عائد إلى أن النقاد العرب ومتذوقي الشعر ظلوا لفترة طويلة ، دون انقطاعات ذات أهمية عن هذه القاعدة ([12])_ ظلوا يرون أن من تمام القصيدة أن تُفتتح بالنسيب , وأن ذلك من شروط جودتها واتساقها مع التقليد العربي ، وإذا خلت منه سموا ذلك (الوثب) أو (البتر) و(القطع) ([13]). فقد قال ابن رشيق : " ومن الشعراء من لا يجعل لكلامه بسطًا من النسيب بل يهجم على ما يريده مكافحة ، ويتناوله مصافحة وذلك عندهم هو الوثب والبتر والقطع والكسع والاقتضاب ... والقصيدة إذا كانت على تلك الحال بتراء كالخطبة البتراء والقطعاء وهي التي لا يُبتدأ فيها بحمد الله عز وجل على عادتهم في الخطب . قال أبو الطيب :
إذا كان مدح فالنسيب المقدم أكل فصيح قال شعرًا متيم
فأنكر النسيب وزعموا أن أول من فتح هذا الباب وفتق هذا المعنى أبو نواس بقوله :
لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند واشرب على الورد من حمراء كالورد " ([14])
وبيت المتنبي الذي أورده ابن رشيق مشيرًا إلى أن المتنبي به أنكر النسيب ، يمكن أن ننظر إليه من زاوية أخرى بوصفه دليلاً على ما ينكره المتنبي نفسه ؛ فلولا ضراوة التقليد الفني وكونه ضاغطًا وبقوة على تفكير شاعر كبير كالمتنبي بحيث إنه لم يمكن أن يتجاوزه دون ذكره والإشارة إليه والاحتجاج ضده , لولا ذلك ما اضطر المتنبي إلى تعويض حضور النسيب في مطلع قصيدته بالإشارة _ شبه الاعتذارية _ عن غيابه ! ولعل حازمًا التقط الفكرة ذاتها ( ليس كل شاعر فصيح قال شعرًا متيم ) وهو يُنظّر لقوة التشبه وفي ذهنه _ كما رأينا _ غرض النسيب تحديدًا .
كما أنه من المحتمل أن يكون حازم قد طور ما قاله أبو تمام مربوطًا بما جاء عن قدامه بن جعفر الذي قال أثناء حديثه عن النسيب : " ومما أختم به القول أن المحسن من الشعراء فيه هو الذي يصف من أحوال ما يجده ما يعلم به كل ذي وجد حاضر أو داثر أنه يجد أو قد وجد مثله حتى يكون للشاعر فضيلة الشعر . " ([15])
وما نلمحه ضمنيًا هنا من فكرة الاحتفاء بالتقليد الفني دون النظر إلى التجربة الحقيقية يعود قدامة بعد قليل ليقوله صراحة , إذ يرى أن العبرة بقول الشاعر لا اعتقاده فبعد أن يورد قول الشاعر :
يود بأن يمسي سقيمًا لعـلهـا إذا سمعت عنه بشكوى تراسله
ويهتز للمعروف في طلب العلى لتحمد يـومًا عند ليلى شمائله
يبدي إعجابه ببراعة الشاعر في وصف ما يجده من لواعج الحب ويعلق بقوله : " وهذه غاية المحبة , ووصف الشاعر لذلك هو الذي يستجاد لا اعتقاده , لأنه قد يجوز أن يكون المحبون معتقدين لأضعاف ما في نفس هذا الشاعر من الوجد فحيث لم يذكروه وإنما اعتقدوه فقط لم يدخلوا في باب من يوصف بالشعر . "([16]) ولعل حازمًا قد فطن إلى فكرة الاهتمام بالشعر لا باعتقاد الشاعر ، وطور هذه الفكرة وحككها بطرحه مصطلح قوة التشبه .
معايير قوة التشبه :
إذا كان النسيب ، وله ما له من موقع التقديم والاهتمام والصدارة سواء في بناء القصيدة أم في أغراض الشعراء وغزارة القول فيه في ديوان الشعر العربي ، إذا كان النسيب لا يحتاج إلى معاناة تجربة حقيقية ومن الممكن إجادة القول فيه إذًا فلا بد من إيضاح ما الذي يمكن الشاعر من صقل قوة فنية كقوة التشبه لتبدو كبقية القوى على السجية والطبيعة .
مر قبل قليل أن حازمًا بين أن من قويت فيه هذه القوة فلا بد أن يلتفت إلى مناحي شكاة الهوى ويجرى شعره على منوال المنحى والأسلوب والمنزع الذي لأولئك في أشعارهم وعقب بقوله : " وربما اقتفى من له هذه القوة في منحى كلامه وأسلوبه ومنزعه آثار شعراء لم يتواطأوا في مجموع ذلك ، لكن حسن منحى كلام هذا ولطف أسلوب كلام ذلك ومنزع كلام الآخر فأخذ هو من كل واحد منهم ما اختص به وبنى على مجموع ذلك كلامه ، وما أجدر أبا الحسن مهيارًا الديلمي بأن تكون هذه صفته ... وهذه القوة تتفاوت في الشعراء فمنهم من له قوة على التشبه في جميع كلامه أو أكثره ، ومنهم من لا ينسحب تأثير تلك القوة على جميع كلامه ولا أكثره بل يكون ذلك في بعضه على سبيل الإلماع والندور أو فوق ذلك قليلاً ... فأما من ينسحب تأثير تلك القوة على جميع كلامه أو أكثره فهم الذين لا تحتاج فيهم تلك القوة إلى معاونة من أمر خارج عن الذهن من الأمور الباعثة على قول ، لتوفير تلك القوة فيهم على كل حال . ومن أيمة هذا الصنف : الشريف ومهيار وابن خفاجة . وأما من لا ينسحب تأثير تلك القوة التشبيهية إلا على الأقل من كلامه فهم الذين تحتاج تلك القوة فيهم إلى معاونة بالأمور الباعثة على قول الشعر فقد توجد تلك البواعث وقد لا توجد ، وقد تتوفر في وقت ، وقد تقل في وقت ."([17])
إن أبرز ما يتوقف عنده حازم في كلامه أعلاه هو تفاوت هذه القوة في الشعراء ، وهو ما ينبه إليه ويهتم به ويضرب له أمثلة لبعض الشعراء المشهورين . فقد لا يتمكن الشاعر أن ينسج بقوته هذه على المنوال أو المثال المتصور في كل من المنحى والأسلوب والمنزع ، وقد ينجح في التشبيه في المنحى ويكون أقل قدرة في التشبه بلطف الأسلوب أو المنزع ، ولكن البراعة تكمن في أن يُبنى الكلام ، وليلاحظ القارئ كلمة يبنى ، على مجموع تلك المتصورات أو التماثيل القولية . وقد نجح _ كما يرى حازم _ أبو الحسن مهيار الديلمي بأن يوفر لقوله الشعري مجموع ذلك كله منحى وأسلوبًا ومنزعًا . ومن هنا فإن هذه القوة تتفاوت في الشعراء _ كما قال _ بحيث إنه يمكن أن تنسحب على جميع كلام الشاعر ، أو لا فتختصّ ببعضه فحسب .
أما هؤلاء الذين لا تنسحب لديهم القوة على جميع كلامهم فهم يحتاجون إلى معاونة أمور خارجية تعينهم على بعث هذه القوة . ويقصد بالمعاونة الخارجية الأمور الباعثة على قول الشعر . ولكنه هنا يلفت النظر إلى أنه قد توجد تلك البواعث وقد لا توجد ، وأنها قد تتوفر في وقت وقد تقل في وقت آخر .
ويؤكد حازم أن هذه القوة وإن صقلتها البواعث وعززتها إلا أنها لا تدرك بحرص ولا تنال بجهد يقول : " واعلم أن هذه القوة لا تدرك بحرص ولا تنال بجهد ، بل قد يمنعها الحريص ، ويمنحها غير حريص , واعتبر ذلك بجرير والفرزدق ؛ فإن جريرًا على عفته ، نسيبه في غاية الرقة وحسن الأسلوب والفرزدق على عهره وشدة ولوعه بالنساء نسيبه في نهاية الجفاء وقبح الأسلوب... "([18]) .
وهذه القوة ، وإن كانت عطية أو هبة إلاهية تقارب الطبع ، وإن كانت لا تدرك بحرص ولا تنال بجهد كما قال ، إلا أنه يرى أنها قد تحصل بحفظ الكثير من المناحي الحسنة والأساليب والمنازع الجيدة اللطيفة والرواية لها . يقول : " وقد تحصل بحفظ الكثير مما حسن منحاه وأسلوبه ومنزعه ، وريّ الذكر من ذلك ، وتعليل النفس به أبدًا ، ومطارحتها القول على نحو من ذلك ، والترامي بالخاطر أبدًا إلى جهات من المعارضة لذلك ، دربةٌ يوصل بها أيضًا إلى التشبه ، ولا سيما إذا تُفهِّم ماقلته في الوجوه التي بها تحسين الأساليب والمنازع . لكن من لم يتوصل إلى التشبه إلا بالدربة من غير أن تكون له القوة التي ذكرت فربما وقع له ما يعده ذو القوة البصير بطرق النقد متكلفًا أو فاترًا ، وإن خفي ذلك على أكثر الناس . " ([19])
قوة التشبه وعلاقتها بقوى الشاعر الأخرى وارتباطها بالطبع :
استعرضت سابقًا ما فصّل فيه حازم القول فيما سماه قوة التشبه .وأعود هنا للحديث عن أول قسم المباني وهو القسم الثالث في النظم حيث يفتتح الحديث عن الطبع ثم ينصرف لتعداد القوى العشر التي يجب أن تتوافر في الشاعر, يقول : " النظم صناعة آلتها الطبع . والطبع هو استكمال للنفس في فهم أسرار الكلام ، والبصيرة بالمذاهب والأغراض التي من شأن الكلام الشعري أن ينحى به نحوها ، فإذا أحاطت بذلك علمًا قويت على صوغ الكلام بحسبه عملاً ، وكان النفوذ في مقاصد النظم وأغراضه وحسن التصرف في مذاهبه وأنحائه إنما يكونان بقوى فكرية واهتداءات خاطرية تتفاوت فيها أفكار الشعراء . فأول تلك القوى وهي عشر :القوة على التشبيه فيما لا يجري على السجية ولا يصدر عن قريحة بما يجري على السجية ويصدر عن قريحة ."([20])
إن قول حازم أعلاه عن أول القوى العشر إذا ما ربطناه بما استعرضته قبل قليل من آرائه حول ما سماه قوة التشبه تجعلني أرجح أن ثمة تصحيفًا جرى في قراءة قوله ( القوة على التشبيه ) والمقصود كما هو واضح القوة على التشبه . كما يمكن أن يلحظ القارئ الأهمية الكبيرة التي يوليها حازم لهذه القوة ، فهي تتصدر القوى العشر التي إذا اكتملت للشاعر تمكن _ كما قال _ من قواعد الصناعة النظمية . وهذه القوى في الأساس ترتكز على الطبع ، فالنظم _ كما قال _ صناعة آلتها الطبع . وحازم يضع قوة التشبه على رأس القوى العشر التي لا تتأتى إلا لمن امتلك آلة النظم وهي الطبع ، الذي هو عنده استكمال للنفس في فهم أسرار الكلام والبصيرة بالمذاهب والأغراض . وكما نلحظ في هذا التعريف للطبع أن محوره (الفهم) و (البصيرة) اللذان إذا استكملتهما النفس أداها ذلك إلى حصول (علم) يمثل قوتها على صوغ الكلام . ويؤكد مرة أخرى قبل نهاية تعريفه للطبع أن ذلك العلم وتلك القوى لا تتأتى إلا ( بقوى فكرية واهتداءات خاطرية ) .
إن هذا كله يكشف عن أن رؤية حازم للطبع تزحزحه عن منطقة الاستغراق الكامل في الجانب الطبيعي أو الغريزة والموهبة هكذا على الإطلاق . ونلحظ إلى أي حد يقرب حازم مسألة الطبع من العقل والفكر والتأمل والتبصر والدربة والمراقبة لأسرار الكلام حتى يؤدي ذلك إلى فهم أسراره وإنزال الكلام في مواضع القول في أغراضه ومناحيه ، ولينفذ في مقاصد النظم نفوذًا جميلاً وحسنًا لا أثر للتكلف أو التصنع فيه ، على الرغم من أن أول قوى القدرة الشعرية لديه أن يمتلك الشاعر قوة التشبه على القول فيما لا يجرى على السجية ولا يصدر عن تجربة حقيقية بما يجري على السجية والقريحة . وهذا القول لا يقلل من أهمية السجية ولا من أهمية التجربة الحقيقية والصدور عنها، ولكن من وجهة نظر حازم فإن الشاعر الذي لا يمكنه القول إلا إذا كان يصدر عن تجربة عاشها بنفسه تنقصه أول القوى وأهمها وهذا مما يضعف من شاعريته .
وقد تحدث حازم في موضع آخر عما سماه القوة الحافظة والقوة المائزة والقوة الصانعة فقال : "ولا يكمل لشاعر قول على الوجه المختار إلا بأن تكون له قوة حافظة وقوة مائزة وقوة صانعة . فأما القوة الحافظة فهي أن تكون خيالات الفكر منتظمة ، ممتازًا بعضها عن بعض ، محفوظًا كلها في نصابه . فإذا أراد مثلاً أن يقول غرضًا ما في نسيب أو مديح أو غير ذلك وجد خياله اللائق به قد أهبته له القوة الحافظة بكون صور الأشياء مترتبة فيها على حد ما وقعت عليه في الوجود فإذا أجال خاطره في تصورها فكأنها اجتلى حقائقها ... والقوة المائزة هي التي بها يميز الإنسان ما يلائم الموضع والنظم والأسلوب والغرض مما لا يلائم ذلك ، وما يصح مما لا يصح . والقوى الصانعة هي القوى التي تتولى العمل في ضم أجزاء الألفاظ والمعاني والتركيبات النظمية والمذاهب الأسلوبية إلى بعض والتدرج من بعضها إلى بعض ، وبالجملة التي تتولى جميع ما تلتئم به كليات هذه الصناعة . وهذه القوى ... هي المعبر عنها بالطبع الجيد في هذه الصناعة . "([21])
يتضح من كلام حازم أعلاه أن القوة الحافظة هي التي تؤهل الخيال ليعثر على ما يريد من أفكار في الغرض الذي يريد القول فيه " وجد خياله اللائق به قد أهبته له القوة الحافظة " وإذا كان حازم _ كما استعرضت آنفًا _ قد ربط قوة التشبه بحركة الفكر والخيال الذي يفضي به باتساق وانتظام للعثور على مناحي القول وجهاته في غرض النسيب أو المديح _ فمن الواضح إذًا أن القوة الحافظة أشبه ما تكون بالإطار المهييء لقوة التشبه لأن تفعل فعلها وتتحرك للاختيار مما تهيئه القوة الحافظة لها من نماذج وتماثيل قولية ينسج على منوالها ، ثم تدعم كذلك بالقوة المائزة والقوة الصانعة حتى يتحقق للشاعر الطبع الجيد ، ولذلك لا غرو أن حازمًا كلما تحدث عن هذه القوة يرتد مرة أخرى ليربطها بالطبع الجيد ، فنحن نرى تركيزه على علاقتها بالطبع إما في مطلع الحديث أو في آخره !
وعلى هذا يمكن أن نقول إن الطبع هو الدائرة الكبرى التي تندرج داخلها دائرة القوى المختلفة للشاعر وعلى رأسها القوة الحافظة والمائزة والصانعة , وتندرج داخلها قوة التشبه ؛ فقوة التشبه لا يتحقق وجودها بدون وجود القوة الحافظة والمائزة والصانعة التي لا تتوافر في الشاعر إلا إذا كان لديه طبع جيد ، أو استعداد وطبيعة قابلة للإبداع الشعري في الأساس . وبهذا التصور يمكن لقوة التشبه إذا كانت قوية في الشاعر أن تصبح أقرب إلى الطبع , وتبدو وكأنها طبيعية وغير متصنعة أو مخلوقة .
والملاحظ أن حازمًا في حديثه السابق عما سماه القوى العشر التي على رأسها قوة التشبه ، كما أسلفت ، قد فصّل القول في تسع قوى أخر . وحديثه عنها ليس سوى تفصيل لرأيه في القوى الحافظة والمائزة والصانعة ، وهو تفصيل لكيفية عمل تلك القوى بوصفها مراحل متتابعة . ومن يربط تنظيره للقوى الثلاث ، والقوى العشر بحديثه عن قوة التشبه يمكن بسهولة أن يلحظ الأهمية المركزية لقوة التشبه التي تغدو أشبه بالمقياس أو المؤشر لما يسميه الطبع واستكمال النفس لقواها الطبيعية وقدراتها على النظم ، وبدون هذا الطبع وتلك القوة لا يمكن الحكم للشاعر بأنه من الشعراء الجيدين .
قوة التشبه وجودة الشعر :
ولعل هذه النظرة إلى مفهوم الطبع تجعلنا نعيد النظر فيما استقر لدى بعض الدارسين المحدثين من أن الطبع لدى النقاد القدامى مشدود إلى الغريزة والسجية ، حيث الإبداع يتمثل في إشعال الموهبة وربما ربط بالبواعث أو القوى الملهمة كالجن وغيرها من القوى غير المفسرة . وهذه الرؤية إلى الطبع كما يطرحها حازم تجعل القول الشعري الجيد مشدودًا إلى الطبع الجيد نعم ، ولكن هذا الطبع من جهة ثانية مشدود إلى الخبرة وحدة الذكاء ودقة الملاحظة وحسن الاستعداد لتوظيف المحفوظ والتنبه للحقائق الفنية والنماذج المتفق على جودتها . إن الطبع هنا هو الوجه الآخر لمسائل تتعلق بالتشكيل وحسن الصياغة وهو إلى التجويد الفني المتعلق بقضايا الفن القولي أقرب منه إلى القضايا المتعلقة بالغريزة والإلهام والانفعال والتجربة العاطفية الحقيقية ، ولذلك فإن القول الشعري إذا لم يفلح في النسج على منوال الحقائق والنماذج الفنية الجيدة فسيكون أول ما يوصم به أنه متكلف متصنع أو رديء , ولا يوصف بأنه غير حقيقي أو غير صادق في تمثل موضوعه !
ولعل هذا ما يجعلنا نربط مفهوم الجودة بمفهوم الشعر ، فقديمًا روى عبد القاهر الجرجاني في أسرار البلاغة أن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت رجع إلى أبيه وهو صبي يبكي قائلاً :" لسعني طائر." فاستفهم أبوه عن هذا الطائر, وطلب منه أن يصفه , فقال عبد الرحمن : " كأنه ملتف في بُردي حبرة ." وكان الذي لسعه زنبور , فقال حسان مبتهجًا :" قال ابني الشعر ورب الكعبة. " ([22]) وكان في تعليق الجرجاني على هذا القول أن التشبيه هنا دل على قوة الطبع ، وهو ما يفرق بين الشخص المستعد للشعر وغير المستعد له . ([23])
ويظهر من تعليق حسان والجرجاني أن الشعر مربوط بالطبع وبالتشبيه والقدرة على الوصف تحديدًا . وإذا كان حازم في حديثه عن قوة التشبه كما رأينا يجعل قوة التشبه أمْيَل إلى أن تكون إلى جهة الطبع ، وإلى تقمص ووصف ما جرى على السجية مما لم يجر عليها بالإجادة في وصف ما على الشاعر وصفه من مشاعر ، قياسًا على اهتمام حازم المفرط بالشعر في منطقة الوصف ([24]) _ فهذا ما يجعلنا نتأمل كيف أن حازمًا قد جرف قناة العاطفة أو مسارها , وهي أمر غير مرئي أو محسوس عيانًا , لتصب في منطقة المحسوس عيانًا ، بأن ينظر الذهن إلى نماذجها الموجودة كتماثيل جاهزة ، فيحاكي ما هو مُحاكى أصلاً ، وبذلك يركز بؤرة العمل الشعري مرة أخرى على التشكيل والصياغة والوصف والتشبيه ، وذلك مجال الخبرة والإدراك الحسي . ومنطقة المدرك الحسي منطقة يمكن للناقد عقلنتها وتأملها , إذ مسألة الطبع هنا لا تظهر على مستوى العاطفة والمدرك الذهني فحسب ، وإنما يركز حازم على حضورها على مستوى علاقة الشاعر باللغة , أي علاقتها بمدركه اللغوي وقدرته الشعرية على تمثل روح الشعر ونماذجه العليا .
إذًا مسألة قوة التشبه مسألة تقع على تخوم العلاقة بالمرجع ، ولكن المرجع الخاص بالشعر فحسب سواء أكان المرجع عاطفيًا (أي العاطفة التي تدفع للقول الشعري وبالتالي تساهم في تحديده كغرض شعري وموضوع للقول ) أم كان المرجع حسيًا يتعلق بوصف العالم الخارجي ومعطياته .
ومن جهة أخرى تقع مسألة قوة التشبه على تخوم علاقة الشاعر بنفسه وبآليات عمله الشعري وبطريقته الشعرية ، ومن هنا تبرز قضية الطبع والصنعة على كلا التخمين . ومع أن المرجع الداخلي والدافع والحافز للقول ربما كان ذلك هو الأقرب نسبًا إلى الطبع إلا أن المسائل المتعلقة بالوصف وبآليات عمل الشاعر تبدو ملحة أيضًا , لأن الشكل هو المحتوى المتحقق للمشكلة على جهتيها ، لا سيما أن شكل القصيدة المتحقق هو الوجه النهائي الذي يوحد وجهي العملة : شكلها ومضمونها .
قوة التشبه ومفهوم الشعر :
مصطلح قوة التشبه ذو علاقة وثيقة بمسألة الصدق والكذب ، ولكن ، كما أسلفت ، اتضح أن المرجع النفسي أو الواقعي كما يعكسهما مصطلح قوة التشبه يعودان إلى مرجعية الشاعر وقدراته لا إلى مساءلة الصدق والكذب في التجربة في مرجعيتها الحقيقية أو الواقعية . وحازم ، وهو يسك مفهوم قوة التشبه ، مشدود باتساق وتناغم إلى مفهومه الأعم للشعر ، فالأساس في الشعر عند حازم هو التخييل في أية مادة بغض النظر عن الصدق والكذب . يقول حازم في هذا الصدد : " لأن الاعتبار في الشعر إنما هو التخييل في أي مادة اتفق لا يشترط في ذلك صدق ولا كذب ... لأن صنعة الشاعر هي جودة التأليف وحسن المحاكاة ." ([25])
وقد توقفت في كتابي نظرية المعنى عند حازم القرطاجني عند تنظيره للكذب في الشعر وتفصيلات القول فيه , وبينت من خلال التشجير مواقع ما سماه الاختلاق الإمكاني والاختلاق الامتناعي والإفراط الامتناعي والاستحالي ([26]) . وفيه اتضح أن حازمًا بعد أن حدد القسمة الثلاثية للأقاويل الشعرية من حيث كونها إما صدقًا محضًا أو كذبًا محضًا أو مزيجًا من الصدق والكذب , وبعد أن حدد فرعي الكذب وما يتدلى منهما من أفرع _ بادر إلى تعريف الاختلاق الإمكاني مربوطًا بالغرض مباشرة حيث قال : " وأعني بالاختلاق : أن يدعي الإنسان أنه محب ويذكر محبوبًا تيّمه ومنزلاً شجاه من غير أن يكون كذلك ، وعنيت بالإمكان أن يذكر ما يمكن أن يقع منه ومن غيره من أبناء جنسه وغير ذلك مما يصفه ويذكره ." ([27])
وقد أكد حازم أن الاختلاق الإمكاني يقع للعرب من جهات الشعر وأغراضه . والاختلاق الإمكاني ، الذي يكاد يكون مناط قوة التشبه عند حازم يقع تحت الكذب الذي لا يعلم كذبه من ذات القول ، إذ هو _ كما يتضح من معارضة تلك الأقسام بعضها ببعض _ عائد إلى مرجعية ذهنية ومرجعية شعورية ممكنة الحدوث ، ولا يمكن القطع بصدقها أو كذبها بإحالتها إلى حقائق أو مرجعيات عينية حسية . ومن هنا فقوة التشبه عند الشاعر تعمل في منطقة حية حرة مطلقة يُعمل فيها إحساسه وتخيله فيتخيل السامع أن الشاعر عاشق حقًا ، وليس ذلك من باب الافتعال كما قد يُظن ، فذلك يدخل أيضًا تحت ما يشرّع له حازم في باب التمويهات ، وهو باب مهم للتخييل شديد الارتباط بقضية الحقيقي والخيالي أو الحقيقي والكاذب من القول حسب التقسيمات المطروحة .
والتمويهات حسب تنظير حازم تدعم الكذب الاختلاقي الذي يمكن تعريفه بأنه انفتاح حساسية الشاعر وشفافيتها لالتقاط تجارب نفسية وخبرات حياتية معينة والنفاذ إلى عمقها العاطفي عن طريق هذه الحساسية الشاعرية فيه ، وهذا ما يجعل قوة التشبه تعمل على نحو تلقائي وليس على نحو اصطناعي مفتعل أو مموه .
قوة التشبه والتجربة :
إن هذا البعد العميق المتعلق بالمرجعية الفنية والواقعية الذي أثاره حازم هو مما ناقشه النقد الحديث ، حيث ناقش النقاد والمنظرون العلاقة بين التجربة الحقيقية والتجربة الشعرية ، وبين تجربة الإنسان العادي اليومية وتجربة الشاعر وكيفية اختزانه لتجاربه أو تأملاته في الحياة ونظرته للفن والجمال ، وناقشوا الفاصل بين الذاتي والموضوعي والحقيقي والخيالي في التجربة الشعرية . والنقد الحديث ، عند عدد من أعلامه ، يقر بأهمية التجربة الشعرية ولا يأبه لما يسمى التجربة الحقيقية أو معايشة التجربة واقعيًا ولا يعدها شرطًا لنجاح الشعر ، فالأهم هو استيعاب التجربة والشعور بها وتمثلها وإخراجها فنيًا بطريقة شعرية عالية . فشيلي مثلاً ، في مقاله (دفاع عن الشعر) يرى أن الشعر هو " الخيال الإبداعي بأسره بكل ما ينشأ عنه من صور . إذ يعتقد شيلي أن كل من أدرك جمال فضيلة أو فعل ثم تخيلهما ونقل الصورة التي تخيلها إلى عالم الفعل هو بعمله هذا شاعر .وذلك لأن جميع هذه الأشياء في عالم الفعل إنما مصدرها أصلاً الخيال . "([28]) وقد قال فاليري : " إن الشعر النقي هو في الحقيقة خيال قد نشأ من الملاحظة ." ([29])
كما أن النقد الحديث ، أيضًا لدى كثير من أعلامه ، يرى أن الشعر الجيد مناف للتعبير العاطفي المباشر , ولا ينجح الشاعر في التعبير عن التجربة حتى يحولها من الذاتية إلى الموضوعية , ويجعلها موضوع تأمله . وهذا ما جعل كروتشه يرى أن " التعبير الذاتي في الشعر الغنائي موضوعي بطبيعته لأن الشاعر يجعل ذاته موضوعية ."([30]) وهذا ما يُعبر عنه بأن معنى التجربة الذاتية ليس مقصورًا على حدود المعبر عنه فحسب بل هي إنسانية بطبيعتها . ([31])
ومع أن النقاد يقولون إن محور التجربة الشعرية الصدق إلا أن هذا لا يتنافى مع كون التجربة التي يعبر عنها الشاعر ليست تجربة عاشها الشاعر فعليًا ، إذ حسب هذه الرؤى النقدية " ليس ضروريًا أن يكون الشاعر قد عانى التجربة بنفسه حتى يصنعها , بل يكفي أن يكون قد لاحظها ، وعرف بفكره عناصرها ، وآمن بها ، ودبت في نفسه حمياها ، ولابد أن تعينه دقة الملاحظة وقوة الذاكرة وسعة الخيال وعمق التفكير حتى يخلق هذه التجربة الشعرية التي تصورها عن قرب على حين لم يخض غمارها بنفسه . والشعراء مختلفون في ذلك فبعضهم يجيد فيما يلحظ ويتخيل وبعضهم لا يجيد إلا في وصف ما عاناه بنفسه . ولا ينافي الصدق أيضًا أن يخلق الشاعر بلادًا خيالية أو عصرًا خياليًا يحل فيه أحلامه ." ([32])
ولعل المثل الشهير الذي يُذكر في هذا السياق الإجابة الذكية التي أجاب بها شاعر البلاط ولر Waller في رده على ملك انجلترا شارل الثاني عن ملاحظة الملك بأنه يرى أن الأناشيد التي نظمها له أقل جودة شعريًا مما نظمه في كرمويل حيث قال : " نحن معشر الشعراء ننجح في الأوهام خيرًا من نجاحنا في الحقائق ."([33])
بل إن بعض النقاد والفلاسفة يرون أنه لا يمكن أن نفهم تجربتنا أصلاً قبل أن نعي جيدًا تجارب الآخرين حيث لا يمكن أن يتشكل شكل تجربتنا الخاصة إلا بالاستفادة من تجارب مشابهة لآخرين . فمثلاً أمبيرتو إيكو يقول : اتهمتني زوجتي بينما كنا في الغابة نوقد النار بالأعشاب بأنني لا أعرف كيف أنظر إلى الشرر . ثم عندما اطلعتْ فيما بعد في ( اسم الوردة ) على وصف الحريق قالت لي : لكنك تعرف حقًا كيف تنظر إلى الشرر " أجبتها : كلا ، بل أعرف كيف يمكن لراهب أن ينظر إليه " . كان ذلك صحيحًا وغير صحيح . في الواقع كنت مع ذلك قد رأيت الشرر ، لكني لم أكن في ذلك الوقت أميل إلى تسجيل تجربتي . ذلك يعني أنني قبل أن أروي تجربتي أحتاج إلى تصفيتها عبر العلاقة بتجارب أخرى معيشة من قبل الآخرين .. إننا نحتاج باستمرار إلى اختبار تجربتنا عبر تجارب الآخرين ." ([34])
إن ما أثاره حازم حول التصور لنماذج القول وتماثيله والنسج على منوالها يؤكد أنه يرى أن ثمة محاكاة لنماذج فنية ولكن الشاعر وإن لم يعش تجربة حياتية حقيقية فلديه حقيقية فنية يمكنه محاكاتها . ويبدو أن هذه الحقيقية الفنية ، كما يظهر من كلام حازم ، أكثر أهمية وأقرب إلى حقيقة الشعر من اشتراط التجربة الحياتية الواقعية . إن الصدق الفني يتمثل في جودة المحاكاة وبراعة السبك الفني . وهذا من المشاغل النقدية التي شُغل بها النقد الحديث ونُظر إلى جودة الشعر من خلاله .([35])
قوة التشبه والأنا الفنية :
إن قوة التشبه تعمل وفق أسس الشاعر المكتسبة وسياقه الفني المحفوظ الذي يهتم بدرجة كبيرة بالجزء الغزلي من القصيدة حتى كأنما الشاعر لا يهتم بأناه الحقيقية بقدر ما يهتم بالأنا الفنية المستحضرة أثناء صناعة النص . وما أسميه هنا ( الأنا الفنية ) قريب مما سماه الدكتور حسين الواد (الأنا النموذجية) وهو يتحدث عن قوة التقاليد الفنية التي تجعل الشاعر شبه مقطوع عن الواقع ؛ يقول :
" ولعل قوة هذه التقاليد تبرز أكثر ما تبرز جلية في الأقسام الغزلية التي اعتاد الشعراء أن يستهلوا بها قصائد المديح ، فالمتكلم في هذا القسم ليس الشاعر من حيث إنه جرّب العشق وعانى من تباريح الهوى ما يدلّ عليه المقول ، وإنما هو ضرب من " الأنا" النموذجية تستعمل في الخطاب ويتّفق المتكلّم والسّامع على أنها من لوازمه . ولأنّ هذه "الأنا" نموذجية وليست تجريبية كانت لها صفات معينة تداولها الشعراء في كلامهم عن السهر والنحول والإكثار من البكاء والذهول ومحاذرة الرقباء ... ولأن القدماء كانوا يعرفون أن الشاعر إذا تغزل ، في القصائد الرسمية خاصة ، لم يتحدث بالضرورة عن تجربة ذاتية عاشها ، وإنما يخضع إلى سنة ثقافية حدّدت للتغزل الطرائق التي رأتها أليق به ، لم يصلوا بين الشعراء وأشعارهم ولم ينسبوا ما فيها إليهم ، بل اتجهوا بكلامهم إلى مدى مسايرة المعاني التي جاء بها الشاعر للشائع المتعارف منها في صيغ لا تنقض الصيغ المألوفة لها فكأن الشاعر عندهم ، إذا طرق موضوعًا يجب عليه أن يخلص إلى شروطه وتقاليده كلّ الإخلاص . " ([36])
إن اهتمام حازم بقوة التشبه مع تركيزه على غرض النسيب خاصة الذي يتوقع السامع أن الشاعر يقص فيه مشاعره وتجربته الخاصة يكشف عن عميق اهتمام حازم ووعيه بما أسميه (الأنا الفنية). فهذه الأنا الفنية تقدر على تقمص الشكل الفني وتقدر من قبل على تقمص الإحساس والموضوع . ولعلّ خير مثال يكشف عن قوة التشبه ما نراه في شعرنا الحديث حيث يعمد الشاعر الرجل أحيانًا إلى صناعة نص شعري على لسان امرأة عاشقة ، ويدخل الشاعر من خلال النص إلى ما سماه حازم ( الاختلاق الإمكاني ) ويأخذ في تخيل مشاعر المرأة , ويستبطن لواعج الحب عندها , ويمضي في تتبع مسارب الحب ومظاهره متبنيًا في هذه الحالة مسكوكات ثقافية واجتماعية حول طبيعة المرأة وكيفية تعبيرها عن نفسها , ومتبنيًا كذلك تقاليد فنية وجمالية جاهزة لصنع هذا القول الداخل في الاختلاق الإمكاني والمستعان عليه بقوة التشبه والأنا الفنية المسيطرة الموجهة للقول والمحددة لشكله وبنيته .
كما أن مصطلح قوة التشبه يعد استباقًا نظريًا ونقديًا مهمًا يساهم في طرح رؤية مهمة لمشكلة نقدية تثار عند التعامل مع النصوص الأدبية وهي الربط بين النص والمؤلف على جهة المحاكمة الأخلاقية . فالروائي مثلاً قد يكتب عن تجربة السجون أو إدمان المخدرات أو ارتكاب الكبائر ، وغالبًا ما يربط القراء بين البطل والمؤلف , ولا سبيل لتصديق صرخات المبدعين وأقوالهم التي تؤكد أن الفنان يصور مواقف الحياة وتجاربها على تباينها بما يملكه من الإحساس والقدرة على النفاذ إلى عمق الأمور وبما يملكه من قوة الملاحظة والقدرة على التأمل العميق الذي يجعله ، وإن لم يعش التجارب كلها ، قادرًا على الكتابة عنها بقوة وعمق وحرارة كأنه عاشها فعلاً أو ربما أفضل تعبيرًا ممن عاشها نفسه ممن لا يملك موهبة الكتابة والتعبير .
كما أن هذه المسألة الملتهبة من الربط بين النص والقائل على مستوى المساءلة والمحاكمة عانت منها المرأة المبدعة كثيرًا ، فحينما تكتب المرأة قصيدة حب مثلاً تمارس عليها رؤى تسلطية تأتي من النظرة الاجتماعية السائدة التي تربطها مباشرة أخلاقيًا بما يمس سمعتها ، حتى إن بعض الشاعرات ,كما نعلم , اضطررن في مراحل معينة من النشر إلى الكتابة تحت أسماء مستعارة . ولا شك أن مصطلح قوة التشبه في هذا السياق يكشف إلى حد كبير عن رؤية نافذة ومتجاوزة لهشاشة التعامل مع النص وتقاطعه مع الواقع استنادًا إلى الخبرة الشعرية والأنا الفنية الموجهة للقول بعيدًا عن تلك المماحكات البعيدة عن روح الفن والإبداع .
وبعد : كشف هذا البحث عن مصطلح قرطاجني مهم هو ( قوة التشبه ) , وتبين من خلال عرضه كيف تغلغل هذا المصطلح إلى صلب العملية الشعرية , وضرب عميقًا في مسائل تتعلق بالطبع وبالمرجعية الواقعية والفنية وبقضايا التجويد الفني . وظهر عميق ارتباطه بالرؤية إلى الشعرية أساسًا وإلى المعايير التي من خلالها يحكم على الشعر بالجودة .
وأظهر البحث أهمية هذا المصطلح لجهة سبقه إلى حل مسائل نقدية معاصرة تتعلق بمساءلة النصوص ومحاكمتها إلى مرجعيتها الذاتية أو الواقعية الحقيقية , تلك المسائل التي كانت تصدر عن رؤية للعملية الإبداعية تربطها مباشرة بواقع المبدع وظروفه الشخصية متجاهلة الرؤية الأبعد والأعمق التي شارفها حازم ؛ حيث كشف مفهومه للشعر ومصطلحه ( قوة التشبه ) المتعالق به عن رؤية للعملية الإبداعية ولقوى المبدع تجعلها تشارف الشعرية ذاتها وما أسميه ( الأنا الفنية ) في أجمل تحققاتها وأكملها .
وعلى الرغم مما يمكن أن يوجه لتنظير حازم هنا من انتقاد يتعلق بأن هذه الأفكار قد تؤدي إلى تكريس النموذج الشعري التقليدي السائد _ إلا أن هذا الانتقاد يتهاوى إذا ما نظر إلى هذا المصطلح ( قوة التشبه ) ضمن منظومته المصطلحية وجهازه المعرفي والنقدي كله , لا سيما مفهومه للشعر ورؤيته لطبيعة قوى الشاعر مما يجعل هذا المصطلح يشارف _ كما ذكرت _ مدارج أعلى من فكرة تقديس النموذج التقليدي , ويرتفع به للحديث عن شعرية النموذج نفسه وما ينبغي فيه .
وغنى مصطلح ( قوة التشبه ) بهذه الأفكار يجعله مؤهلاً ليساعد في حل مشكلات نقدية أخرى تتعلق بفكرة التقمص وبقضية السرقات الأدبية وقضية التناص ؛ حيث يبدو مرشحًا لحل مثل هذه المشكلات من جهة تعديل الرؤية الأساسية الموجهة لمقولات من هذا النوع ؛ حيث يعمل مصطلح ( قوة التشبه ) على طرح ما يمكن تسميته بالتناص الشعوري والتناص مع الشعرية بدلاً من التناص مع النص أو النموذج . وهذه المسألة الأخيرة على درجة من الأهمية مما يجعلها موضوع دراسة أخرى مستقلة .
المصادر والمراجع
الأغاني ، شرحه وكتب هوامشه سمير جابر (بيروت ، دار الكتب العلمية ط. الثانية 1412هـ / 1992م) .
مسارات فلسفية . ترجمة محمد ميلاد (دمشق دار الحوار . ط. الأولى 2004م ).
البيان والتبيين . تحقيق عبدالسلام محمد هارون ( القاهرة ، الخانجي ط . الرابعة 1975م)
نقد الشعر ، تحقيق . س . أ .بونيباكر (ليدن ، مطبعة بريل 1956 م ).
العمدة ، تحقيق د. مفيد قميحة (بيروت ، دار الكتب العلمية ط. الأولى 1403 ، 1983م)
ينجيان : التجربة كحدث ، ضمن كتاب مفاهيم عالمية : التجربة . ترجمة عبد القادر قنيني (بيروت , المركز الثقافي العربي . ط . الأولى 2005 م)
الشعر والشعراء . تحقيق أحمد محمد شاكر ( القاهرة ، دار المعارف ، 1966م)
منهاج البلغاء وسراج الأدباء . تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة ( بيروت ، دار الغرب الإسلامي ط. الثانية 1881م )
الديوان ضبط وتصحيح مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبد الحفيظ شلبي (دار الفكر ، د.ت).
لسان العرب (بيروت ، دار لسان العرب . د. ت ).
المرآة والخارطة ترجمة سهيل نجم ( دمشق ، دار نينوى 2006م)
الشعر والتأمل , ترجمة محمد مصطفى بدوي ( القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر . د.ت)
النقد الأدبي الحديث (بيروت ، دار الثقافة ودار العودة سنة 1973م) )
المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب : تلقي القدماء لشعره . (بيروت ، دار الغرب الإسلامي ط. الثانية 2004م)
نظرية المعنى عند حازم القرطاجني (بيروت ، المركز الثقافي العربي ط. الأولى 2002م )
[1] - حازم القرطاجني ، منهاج البلغاء وسراج الأدباء . تحقيق محمد الحبيب ابن الخوجة ( بيروت ، دار الغرب الإسلامي ط. الثانية 1881م) ص 341 .
[2] - جاء في لسان العرب لابن منظور : " الطبع والطبيعة الخليقة والسجية التي جبل عليها الإنسان ... وطبعه الله على الأمر يطبعه طبعًا : فطره " وفي مادة سجي " السجية : الطبيعة والخُلُق ، وفي الحديث كان خلقه سجية أي طبيعية من غير تكلف ." فينظر على التوالي مادة طبع وسجي في لسان العرب لابن منظور ( بيروت ، دار لسان العرب . د. ت ).
[3]- منهاج البلغاء وسراج الأدباء ص341.
[4] - لمراجعة هذه المصطلحات ضمن جهاز حازم القرطاجني المصطلحي ينظر فاطمة الوهيبي ، نظرية المعنى عند حازم القرطاجني ( بيروت ، المركز الثقافي العربي ط. الأولى 2002م )
[5] - هكذا وردت في النص المحقق ، وأحسب أن الصواب التشبه فالسياق يقتضي ذلك .
[6] - منهاج البلغاء ص 342.
[7] - المصدر السابق ص 343-344 .
[8] - تكرر النصوص الخبر عن عفة جرير ، لكن العفة لا تنفي أن يكون له تجربة حب حقيقية . وليس هنا موضوع مناقشة هذا القول ؛ لأني مضطرة إلى الاتجاه مع أقوال القدماء وتحليلها في سياقها النقدي التنظيري الوارد هنا ، ونلاحظ أن جريرًا كما سيأتي ربط العشق بالنسيب ونُسب إليه قوله إنه لم يعشق قط ، وهذه المسألة موضع دراسة لي تحت الإعداد عن مفهوم العشق والحب وعلاقة ذلك بنسيب جرير .
[9] - ابن قتيبة ، الشعر والشعراء . تحقيق أحمد محمد شاكر ( القاهرة ، دار المعارف ، 1966م ) ج 1/94 .
[10] - الجاحظ ، البيان والتبيين . تحقيق عبد السلام محمد هارون ( القاهرة ، الخانجي ط . الرابعة 1975م) ج1/208.
[11] - الأصفهاني ، الأغاني ، شرحه وكتب هوامشه سمير جابر ( بيروت ، دار الكتب العلمية ط. الثانية 1412 هـ / 1992م ) . ج8/ 47
[12] - أعني تجاوزات الشعراء لشكل القصيدة العربية والتجديد في مطالعها مثلما فعل أبو نواس مثلاً .
[13] - لي بحث في طريقه للنشر أتناول فيه هذه المسألة ومصطلحاتها المتعلقة بها .
[14] - ابن رشيق ، العمدة . تحقيق د. مفيد قميحة ( بيروت ، دار الكتب العلمية ط. الأولى 1403 ، 1983م ) ج1/161 وينظر بيت المتنبي في ديوانه ضبط وتصحيح مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبد الحفيظ شلبي ( دار الفكر ، د.ن ) ج3/ 350.
[15] - قدامة بن جعفر ، نقد الشعر ، تحقيق . س . أ . بونيباكر ( ليدن ، مطبعة بريل 1956 م ) ص 67 .
[16] - المصدر السابق ص 69 .
[17] - منهاج البلغاء ص 342- 343 .
[18] - المصدر السابق ص 343 .
[19] - المصدر السابق ص 344 .
[20] - المصدر السابق ص 199-200 .
[21] - المصدر السابق ص 42-43 .
[22] - عبد القاهر الجرجاني ، أسرار البلاغة . تحقيق هـ . ريتر ( بيروت ، دار المسيرة , ط الثالثة 1403هـ / 1983م ) ص 175.
[23] - المصدر السابق ص 175 .
[24] - كنت قد فصلت القول عن موقع الوصف في نظرية حازم النقدية في كتابي نظرية المعنى عند حازم القرطاجني ( بيروت , المركز الثقافي العربي , ط الأولى 2002 ) ص 126 .
[25] - منهاج البلغاء ص 81 .
[26] - فاطمة الوهيبي ، نظرية المعنى عند حازم القرطاجني ص 184 .
[27] - منهاج البلغاء ص 76 .
[28] - روستر يفور هاملتون ، الشعر والتأمل . ترجمة محمد مصطفى بدوي ( القاهرة ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر . د.ت ) ص 134 .
[29] - ميكائيل هامبرغر ، الأقنعة في الشعر ، ضمن كتاب المرآة والخارطة . ترجمة سهيل نجم ( دمشق ، دار نينوى 2006م ) ص 70 .
[30] - محمد غنيمي هلال ، النقد الأدبي الحديث ( بيروت ، دار الثقافة ودار العودة سنة 1973م ) ص 381 .
[31] - المصدر السابق ص 381 .
[32] - المصدر السابق ص 385 .
[33] - المصدر السابق ص 386 .
[34] - من حوار مع أمبرتو إيكو ضمن كتاب مسارات فلسفية . ترجمة محمد ميلاد ( دمشق دار الحوار . ط. الأولى 2004م ) ص 109-110 .
[35] - المصدر السابق ص 386 .
[36] - حسين الواد , المتنبي والتجربة الجمالية عند العرب : تلقي القدماء لشعره ( بيروت , دار الغرب الإسلامي ط الثانية سنة 2004 م ) ص91-92.