الأحلام الحميمة، الأحلام الكبيرة. نحن الذين نهزمها وليست هي التي تهزمنا، لكننا إذا فعلنا وهزمناها وهي تستحق هزيمتنا على طريقة الدميني – اذا فعلنا وهي نِدُّنا الحميم، وهي بعضنا أو كل كلنا، اذا هزمناها، وهي كذلك، فلا غرو ان تهزمنا بدورها وتحولنا إلى رميم. وحينها تحتاج هي ونحن إلى من يعيد بعثنا وبعثها، يعيد تركيب الندية متماهية وبهية.
ذلك مدخل قديم وجديد لكل ما يجعلنا نقرأ و نعيد القراءة في الأحياء والأشياء و الاحلام غضها والرميم، لكنه مدخل قلما ادى الا إلى فضاء رحب من الخيبات والمرارات.
فالأحلام التي تهزمنا اذ نهزمها.. اذ لا نستحقها، نظن اننا بكبرياء الخيبات نخلق من رميمها قصيدتنا ونحن لا نشكل الا رميمنا اذ نصنع مزاميرنا من قصب هيكلها المتيبس!!
ارأيت إلى هذا العنف الأليف الغارق في الشعرية أننا- مزهوين بالشعرية- ان نسينا رميمها لن نفلح في تنقية مزمارنا من مرارة صوتها المبحوح، سنظل نشرق بغبار روحها المتطاير.. بربك هل سمعت يوما نايا غير مبحوح؟! ايشبه هذا الغبار الغبار الطافح في شعرية الضجر أيضًا ؟ ربما، لكن المؤكد ان البشرية ان تئد الروح وروح الاحلام لن تستطيع ان تخفي كامل العظام!! حتى لو حولتها إلى مجرد غبار وهباء ودقيق يتسرب مع دقيق الصوت، لأن الأحلام والروح تنتقم على طريقتها الخاصة بالضجر والندم وببحة الألم، تلك البحة التي لا تستطيع اعذب الشعريات و انقاها اخفاءها فهل رأى احد مع كثرة الشعراء المتبخترين _ قصيدة واحدة متبخترة؟
دلني، اينها تلك الاحتفالية بالطفولة والجمال وبالحلم وبالحب في عذوبة ونقاء تام شفيف بلا غصة ؟ اين هذا الحلم – الحلم الشعري على الأقل – الذي يغني، و يعنو ناجيا من كبرياء الغصات والشجن ولغو المسافات والزمن؟ اين تلك الجرعة التي تجلو بحة الحداد و شَرْقة المزمار؟ اين تلك الجرعة التي توقظ الانسان على حلم يستحقه فيصحو من غفلة ذاته؟
لو يكف الناس – والشعراء خاصة- عن كبرياء الخيبات وهزائم الأحلام وربما امكننا ان نعثر على قصيدة مجلوة متبخترة بدلا من ان يتلوى طابور الشعراء كاطواويس وقد تلونوا وتزخرفوا بعاج الاحلام ودمائها و رميمها!!