الصفحة الرئيسية
 /  
1بحة القصب
 /  
رجوع

1بحة القصب


(الحلم موصولا) ذلك كان عنوان آخر مقالة من هذه الزاوية التي توقفت منذ سبعة أشهر، لتعود اليوم بالكلام موصلا عن الحلم أيضًا.!!

وفيها كنت اتحدث عن احلام صغيرة طالما طالبت اهلي و انا طفلة حينما ايقظوني ان يعيدوني اليها!! ومازال مثل هذا المطلب المعجز يلح عليّ حتى مع الاحلام التي لا تقابل اليقظة، الأحلام التي مذ كنت طفلة والى الآن اعتقد بعدم امكانية فصلها عن الوجود، لأن الحلم – سواء هذا الذي يقابل اليقظة أو ذاك المفهوم المجرد الذي نماهي به أهدافنا وطموحاتنا و تحققاتنا الجميلة – لأن الحلم جزء حقيقي من الوجود، بل هو جزء من اجمل وأثمن ما يجعل للوجود قيمة، جزء ملتحم به التحاما حقيقيا نشترك كلنا حسب مواقعنا في ادائه و احيائه.

في خبراتي الطفلية آنذاك لم يكن لي ان افهم معنى ان يقطع عليّ الحلم، حلم المنام، ومازال هذا الغباء يرافقني و انا كبيرة رافضة قتل الاحلام التي تعيش بيننا في اليقظة!! الاحلام التي ليست سوى مشروع الهوية والوجود، لكنني في محاولاتي اللاحقة لإدراك ما استعصى على غبائي، بعد ان كبرت دربت نفسي في حالات كثيرة على العودة إلى الحلم المقطوع بحلم اللغة، لاكتشف انهما دائمـًا كانا شيئا واحدًا، وان الشعر و الابداع بكل انواعه هو تنويع على احلامنا المبتورة المدهشة، فلا الحلم ولا الشعر غيبوبة عن الوجود، بل هما لحم للوجود واستعادة له بمنطق الحلم الغني، ورؤيته محررا من التضاد والاستحالة، و ايجاد وحدة لعناصر الفوضى والجنون فيه!!

نعم هي النزعة الرافضة لبتر الحلم أو قتله أو السماح بموته هي التي تحرك الابداع واللغة، فنحن نستعيد من منطقة الحلم القصية طاقاتنا و ابداعنا وجرأتنا على الخروج إلى العالم أو عليه لتصحيح اليقظة، فقلما افترت شفتا الحلم عن الواقع إلا وبدا مثل خطأ يحتاج إلى تصحيح.. وحينما يتعلق الامر بالفن والحياة فالتصحيح أو محاولة التصحيح تنصب بالضرورة على تشغيل آليات الفن واللغة إحدى آلياته.

وفي اللغة كيف تعلن اللغة عن اللغة والحلم بغيرها بدون اللغة، وكيف يمكن للشعر أن يحدثنا عن الجراح والهزيمة وتبقى مع ذلك سرا بهيا يتداوله أهل النميمة من المتذوقين والنقاد. وأقول النميمة قاصدة شهية الحديث عن الجمال الفني، النميمة النقدية التي ترهف الذائقة والملكة الجمالية، خاصة حينما يتعلق الامر بتحويل الهزيمة إلى بهاء وتحويل عظام الاحلام إلى يراع يسجل، وناي يغني:

 " المدينة أثثت جرحك السري، فلا مطر هنا يقيك

 هواجس الليل والذئاب- وستوصد الشرطة هذه

 المكتبة لان الصعاليك- منذ القدم- يحيكون انخابهم المرة، ويتأملون عظام احلامنا

(من قصيدة ملاك الحسرة في ديوان سنابل في منحدر لمحمد الدميني) بهذا المقطع يبدأ الدكتور سعد البازعي نميمته النقدية المعنوية، (عظام الاحلام وشعرية الضجر عند محمد الدميني) ويمضي ملتقطا بعض عناصر هذه الشعرية من هنا وهناك في شعر الدميني في المجموعتين، ولكنه يتلبث عند التركيب المجازي المدهش كواحد من عناصر هذه الشعرية، كما جاء في عدد من المقاطع، منها هذا المقطع الجميل الذي يقول فيه الدميني من قصيدة المقهى:

"مللت هذا الصديق

الذي اهزمه على الدوام

اريد ندا يستحق هذه الهزيمة

وطاولة

تستحق بياض ايدينا المتقاطعة..."

ويقول د. البازعي في التقاطه لجمال هذا التركيب:( اما المثال الثالث فتأتي دهشته من تحول الهزيمة إلى منحة لا يستحقها كل احد، كما لو كانت الهزيمة تكريما يستحق، وهو وضع مألوف نعرفه جميعًا حين نشعر ان منافسنا ليس ندا مساويا، فتغدو هزيمتنا إياه هزيمة عادية).. ثم يسحب هذه الصورة وهذه الهزيمة إلى مجال المنافسة و الابداع الشعري حيث يقول: لكننا لم نعتد ان نصف الهزيمة على النحو الذي نجده هنا، و انما يعتادها أو يقدر عليها شاعر أدرك معنى الهزيمة من خلال شاعريته وواجه تحدي تحويل هذه الهزيمة إلى شعر بعد ان امتلأ الشعر بالبطولات وبلاغياتها.."

والحديث عن الهزيمة حديث يغري على كل مستويات المنافسة، وربما أهمها مستوى المنافسة و الابداع الشعري، وهو موضوع ربما استقل بمقالة لاحقة، لكن عظام الاحلام وهزيمة الاحلام هي الناظم الذي جعلني ارى الصديق الذي طالما رافقنا ليس سوى حلم نريده ندا لنا نتساوى وإياه في عراك ايدينا المتقاطعة البيضاء البريئة من دماء الحلم!!