كورا



    كورا Chora

 المفهوم والامتدادات

منشورة في مجلة سمات الصادرة عن جامعة البحرين مجلد 2 عدد 2 سنة 2014م وهي مجلة مصنفة isi

 

ملخص :

Chora

Concept and Extensions

 

    Abstract:                                                                                  

In this research, I shall talk about (Chora), as it is a philosophical concept used by Plato to determine the types of existence and how it came to be. I also uncover all the features of the feminine and the maternal in this concept along with its relationship to Hermesian texts and myths. Then, I reveal the concept’s extensions through Julia Kristeva and Jacques Derrida; Julia benefited from (Chora) in the background upon which she established the terms; semiotic and symbolic, and their associated analyzes and results.  Derrida benefited from (Chora) during his discussions of Plato; while speaking about the issue of naming, trace, presence and absence as well as difference.

 

 

كورا Chora

 المفهوم والامتدادات

 

استخدم أفلاطون ( Plato )كلمة كورا ( Chor ) ([1]) في محاورة  طيماوس ( Timaeus ) وهي المحاورة التي انشغل فيها بتحديد الوجود وأقسام تشكله وتكونه . وبعد أن فصّل القول في نوعي الوجود : النموذج الأصل والنسخة المقلدة عنه ([2]) انصرف إلى الحديث عن نوع ثالث يصعب تعليله ، حيث إنه - كما قال -غير مرئي بوضوح ويسميه الوعاء يقول : « إننا أوجدنا سابقًا صنفين من التقسيم ، ويجب أن نكشف النقاب عن نوع ثالث ، هذا النوع الذي يكون تعليله صعبًا ويُرى بضعف . إن النوع الجديد من الوجود هو الوعاء ، وهو متعهد كل الولادات إلى حد ما . » ([3])

 وهذا الوعاء ذو طابع أمومي كما نرى , ولكنه متوار وسري ؛ يقول عنه أيضًا : « لهذا السبب فإن الأم ووعاء ([4]) كل الأشياء المخلوقة والمرئية ، وفي أية طريقة محسوسة ، لا تكون لتدعى التراب أو الهواء أو النار أو الماء , بل يكون هذا الوعاء مخلوقًا غير مرئي ولا شكل له ، يتلقى كل الأشياء ، ويشارك بطريقة سرية ما فيما يتعلق بالمدرك بالعقل ، ويكون المخلوق الأكثر إبهامًا . » ([5])

          ومن الواضح أن كورا /  الوعاء لها سمات محددة على رأسها :

1- هي مؤنث أمومي .

2- هي وعاء لكل الأشياء المخلوقة والمرئية .

3- لا يمكن نسبتها إلى أي العناصر الأربعة منفردًا .

4-هي وعاء غير مرئي .

5- هي وعاء لا شكل له ، لكنه يتلقى كل الأشياء .

6- هي وعاء له طابع سري خاصة فيما يتعلق بالمدرك العقلي .

7- هي أكثر المخلوقات إبهامًا .

 

2- كورا في أسطورة الأم الكبرى والنصوص الهرمسية :

أ- أسطورة الأم الكبرى :

      هل يمكن أن يكون قد تسرب إلى أفلاطون شيء من الأساطير وهو يفكر في كورا ؟ ألسنا نلمح في حديثه عن كورا الذي سماه المخلوق الأكثر إبهامًا , والذي جعله مخلوقًا غير مرئي ولا شكل له ويتلقى كل الأشياء , وهو متعهد لكل الولادات -  ألسنا نلمح في كل هذه السمات وخاصة في سمتها الوعائية الأمومية ظلاً من أسطورة الأم الكبرى ؟

      سأركز مبدئيًا على الجانب الوعائي الأمومي الموجد تحديدًا من جملة سمات كورا المذكورة آنفًا . ( وليلاحظ القارىء أن الرحم الأمومي الذي يحوي الجنين هو وعاء أو جرة أيضًا ). وأود لفت الانتباه إلى أهمية مفهوم الاحتواء الكامن في مقولة الوعاء الذي يتخذ في الغالب صورة الجرة التي تحوي الماء ([6]), ولفت الانتباه كذلك إلى ما لهذه العلاقة الوجودية بين الماء من أهمية قائمة على الارتباط الوجودي المتبادل بين الوعاء والماء في الأسطورة .

       تراوح أسطورة التكوين البابلية  في الإشارة إلى الأم الأولى  بين تسميتها بــ ( تعامة ) أو (هابور) . وهابور هذه  - وفقًا للأسطورة - هي خالقة الأشياء جميعًا . وتقدمها الأسطورة على أنها المياه البدئية , وأصل الكون , وأم الجيل الأول من الآلهة ([7]).

    والمياه البدئية هي الحالة الأولى التي تتداخل فيها الظلمة والمياه والسكون , وهي " الهيولى البدئية والمدار الأعظم الذي رمزت إليه ميثولوجيا الشعوب بشكل الحية التي تعض على ذيلها ... دلالة الاكتمال الأزلي للمطلق قبل أن ينحل إلى مظاهر الكون المختلفة . " ([8]) وهي كذلك في الميثولوجيا المصرية والسومرية والفينيقية والتوراتية , فكلها تناولت هذه الدائرة أو البيضة الكونية ([9]).

   وقد لا يكون ملمح تأثر أفلاطون بروح الأم الكبرى شديد الوضوح في طرحه الفلسفي لـــ (كورا ) ( الأم الوعاء ) لكن لننظر إلى بعض التشابهات مع الفكر الغنوصي الهرمسي فيما يلي :

ب - التماثل والتشابه مع الفكر الغنوصي الهرمسي :

          تجد في الهرمسية رؤية إلى العالم بوصفه مكانًا لحضور الأشياء ، ويمثل العالم رحمًا للأشياء ،     " وهكذا ، فإن العالم مع أنه لم يولد ، له في نفسه مبدأ كل ولادة ، طالما أنه يقدم لكل شيء رحمًا  خاصًا لحمله . إنه إذن مجموع صفات ومادة قابلة لأن تُخلق ، رغم أنها لم تزل غير مخلوقة  ...  أما فيما يخص النفس فإنها تحرك أو تحكم كل الكائنات الخاصة في العالم ، حسب الطبيعة التي عينها الله لها . والمـادة ، هيليـة ([10])، أو العالم ، هي الوعاء ، والحركة والتكرار لكل الأشــــــــــياء التي يحكمها اللــه مـوزعًـا في كـل واحدة منها ما هو ضروري له ، ومالئًا إياها بروح حسب خصائصها . شكل العالم هو شكل كرة مجوفة , لها في ذاتها سبب صنعتها أو شكلها الحركي بكليته ، وإذا أريد باختيار نقطة من مساحتها رؤية العمق ، لا يمكن رؤية شيء . إنها لا تبدو مرئية إلا بالأشكال الخاصة التي تبدو صورها منقوشة عليها ؛ إنها تبدو في مثال مرسوم ، لكنها في الواقع غير مرئية دائمًا بذاتها . لهذا فإن المركز ، والجزء الأدنى من الكرة ، وإن يكن هذا مكانًا يسمى في اليونانية غير مرئي aons ، من الرؤية ، لأنه لا يمكن رؤية مركز الكرة . كذلك تسمى الأنواع أو المظاهر أفكارًا لأنها هي أشكال اللا مرئي . إن  قاع الكرة هذا يسميه الإغريق آديس لأنه غير مرئي . " ([11])

          ويمكننا أن نلاحظ أن هذا العالم الذي هو مبدأ لكل الولادات ، وهو رحم لكل ما يوجد على الرغم من أنه لا شكل له وغير مرئي إلا أنه متضمن لمبدأ الحركة والتكرار والتناوب ،  وهذا العالم / الوعاء له شكل لا يمكن رؤيته ، ويتخذ شكل كرة مجوفة لا يمكن رؤية مركزها أيضًا ، فهي أقرب إلى التصورات منها إلى ملموسية الشكل المرئي . إن هذه الصفات التي يوردها الفكر الهرمسي لهذا العالم / المكان / الوعاء تتطابق في عدد من السمات مع ما سماه أفلاطون كورا ، لا سيما في مسألة كون الوعاء ممكن كل الولادات ، وكونه مع ذلك غير مرئي .

جـ - الجرة الإلهية :

          إن فكرة الرحم الكوني الماثلة هنا في البعد الأمومي الحاضن لكل الولادات , والذي يمثل له أيضًا بالكرة المجوفة , مهمة ، من حيـث إن الفكر الهرمســـي أيضًا يتحدث في نص آخـــر عن الجرة  الإلهية ، في سياق الحديث أيضًا عن الله الصانع ، وفي هذا النص نتأمل هذه الكينونة غير المحسوسة وغير المرئية ، والتي لا تنتمي لأي من العناصر الأربعة ، ومع ذلك فكل الكائنات ناتج عن بديع صنعها. يقول هرمس لابنه : " الصانع صنع العالم ، ليس بيده ، وإنما بكلمته ... جسمه غير محسوس ولا مرئي غير قابل للقياس ولا مبسوط ، لا شبيه بأي جسم آخر .  فهو ليس لا النار ([12]) ، ولا الماء ، ولا الهواء ، ولا النفس ، ولكن كل شيء يأتي منه ... والإنسان يرجح على الحيوانات بالإدراك والذكاء ." ([13])

وهنا يسأل الابن هرمس  : لماذا لم يوزع الله الذكاء على الجميع ؟ وأين وضع الله الذكاء في الإنسان ؟ فيجيبه هرمس : إن الله ملأ به جرة كبيرة , وأمر رسولاً بحملها والمناداة  في قلوب البشر قائلاً : " تعمـدوا ، إذا استطعتم ، في الباطية ([14]) أنتم يا من تظنون أنكم ستعودون إلى من أرسلها ، أنتم يا من تعلمون لماذا ولدتم ."  فالذين يستجيبون لهذه الدعوة ويتعمدون في العقل هم الذين يمتلكون الغنوص ويصبحون الملقنين بالعقل ، الرجال الكاملـين . والذيـن لا يفهمونه يملكـون الإدراك لكـن لــيس العقل ... ذلك هو يا تات ([15])  علم العقل : تأمل الأشياء الإلهية وإدراك الله .  ذلك هو حســن صنيع الجرة الإلهية ." ([16])

          وتتجلى هنا في هذا النص فكرة أساسية من أفكار الغنوصية , وهي فكرة الله الصانع . وتعد الفكرة الأساسية الثانية في الفكر الغنوصي إذ " لما كانت الروح والمادة هما [المبدأآن] الأعليان ، فإن فكرة الخلق غير واردة في مذهب الغنوصيين . ولهذا لا يقولون بخالق للعالم ، بل بصانع للعالم ، وهي فكرة نجدها عند أفلاطون ." ([17])

          ولعل الشذرات المتفرقة التي أمكن للقارئ ملاحظتها حول عدد من التماثلات بين سمات العالم والجرة الإلهية عند الغنوصيين وبين سمات كورا لافتة وبقوة ، فإذا ما وضعنا في الاعتبار وجود فكرة الصانع أيضًا عند أفلاطون أمكننا أيضًا أن ننتبه إلى بعض أفكار أفلاطون في نظريته الإبستمولوجية ونظريته في عالم المثل والتصورات وخاصة  مجازه المشهور  الكهف وشمس الوجود وحدود الإدراك البشري في معرفة علاقة الوقائع والحقائق  _ أقول إذا لاحظنا ذلك أمكننا أن نجد تشابهًا أيضًا بينها وبين فكرة الجرة الإلهية والعقل وفكرة الكهف وشمس الوجود ، وهذا ما يوثق أيضًا في النهاية علاقة هذه الشذرات بحديثه عن كورا الذي جاء في سياق تصنيفاته الفلسفية لأنواع الوجود ؛ وأحسب أننا هنا أمام ترسب واضح  لكورا بين أفلاطون والهرمسية ، وتحديدًا في فكرة العالم / الوعاء في الغنوصية .

3- كورا عند جوليا كريستيفا Julia Kristeva) ) :

ويبدو مما تقدم أن الوعاء الأمومي / كورا عند أفلاطون نوع من الوجود ذو علاقة وثيقة بالتصورات ، ولكن قراء أفلاطون المحدثين يطورون فكرة التصورات هذه ، فجوليا كريستيفا تجعل الوعاء الأمومي أثناء دراستها اللغوية المستفيدة من التحليل النفسي أمرًا سابقًا ومتعاليًا . فهي ترى أن اللغة بالنسبة للمحلل هي المكان ، مكان المتكلم الوحيد ، بوصفها نظامًا من الإشارات يبدو مزيدًا كل مرة ، ويضم كل التجارب النفسية ومختلف أنواع الإدراكات . ([18])

 وترى أن كورا Chora « وعاء أمومي سابق للاسم وللأب ، حتى إن اسم المقطع الصوتي لا يناسبه([19]). فلنصحح إذًا موقف سيغال : ليس إلى شيء وإنما إلى ما قبل تصور الشيء ، ليس إلى الأنا وإنما إلى لا -  أيضًا -  الأنا ، يرجع من خلال هذا النسق السيميوتيكى المؤلف من دال صافٍ مكثف للمؤثر ومواز لانتقال إلى الفعل . عندما يحصل مثل هذا الاستعمال لما قبل تصور الشيء وللغة التي تناسبه عند الفرد الناضج لا يتعلق الأمر عندها بنكوص بسيط ، وإنما بإعادة تنظيم خاص للعلاقة الثلاثية التي تساند موقف الفرد ووظيفة الرمز على حد سواء .» ([20])    

وتستفيد جوليا كريستيفا في دراستها اللغوية من مصطلح كورا في الخلفية التي تؤسس عليها  لمصطلحيها : السيميائي و الرمزي ([21]). فالرمزي عند كريستيفا مشدود إلى علاقة الدال بالمدلول . وبما أن علاقة الدال بالمدلول اعتباطية  كما يقرر علماء اللغة وعلى رأسهم سوسير ، الذي اقترح فكرة التحفيز ليتسنى ضم كلمة ما إلى تصور ما أو بعبارة أخرى ضم دال ما إلى مدلول  معين . ولكن جوليا تقترح « أن الجانب التحفيزي لهذه العلاقة يكمن في الدوافع اللاشعورية والعمليات الأولية ( الإزاحة والتكثيف) التي تعضد الترابط الاعتباطي لدال معين بمدلول معين . وهذا الاقتران للعمليات الأولية      ( الإزاحة ) و ( التكثيف) بـ ( الكناية ) و ( الاستعارة ) قد بينه جاك لاكان في قراءته لياكوبسون وفرويد ... فكل من الاستعارة والكناية تعملان في اللغة بوصفهما عنصرين رمزيين. وبناء على ذلك ، فإن ارتباط الدال بالمدلول بطريقة من هذه الطرائق ينزع الأهلية عن التفسير الاعتباطي الصرف. كما أنهما يظهران الجوانب التركيبية والدلالية من اللغة، تلك الجوانب التي تدعوها كرستيفا الرمزي .» ([22])

          والرمزي عند جوليا هو نتاج للعلاقة بالآخر ، وهو نتاج اجتماعي يبرز الكيفية التي يرتبط بها الناس ببعضهم كما تحددها الاختلافات البيولوجية والوراثية . ([23])

          والرمزي يعمل وفق بنى الخطاب المحددة والمقننة سلفًا . ولذلك فالرمزي شكل تعنتي وشكـل سلطوي ويعمل وفق قانون الأب . ([24]) « فقبل أن يظهر قانـون الأب كانت الأم تضطلع بالوظيفة القضيبية ، وعندما أصبحت الوظيفة وظيفة رمزية فقدت الأم منزلتها الخاصة . أما قبل ذلك « فإن جسدها المفعم ، ذلك الوعاء الضامن للحاجات ، يشغل مكان جميع المظاهر والمسرات النرجسية ، ومن ثم الخيالية ... كانت هي القضيب » ومع ذلك فمع اكتشاف الإخصاء فقدت الأم منزلتها الخاصة : بمعنى أن الذات جُردت من اعتمادها على الأم، « وإدراك هذا الافتقار جعل من الوظيفة القضيبية وظيفة رمزية .» ([25])

     وتفصّل جوليا كريستيفا هذه الفروقات بين السيميائي والرمزي مستندة إلى العمليات الأولية القائمة على قانوني الإزاحة والتكثيف . وحسب جوليا فإن كورا تكونها الدوافع وكوابحها ، وهي مفعمة بحركتها الذاتية المنظمة . ([26])

       وهذا المفهوم أساسي لدى جوليا فهو يميز بوضوح « كلاً غير محدد تشكله الدوافع وكوابحها بحركية ذاتية زاخرة بالحركة قدر ما هي منظمة ؛ إن هذه الكورا تعين ما هو متحرك ، وتعين تعبيرًا مشروطًا تشكله الحركات وكوابحها المتناوبة . والكورا بوصفها تعبيرات متقطعة (على نحو إيقاعي منتظم ) تحظى بأهمية تفوق أهمية احتمالية المطابقة والمكانية والزمانية . وعلاوة على ذلك تقرر كرستيفا أن الكورا هي نمط تدليلي لم تلفظ فيه العلامة اللسانية بعد بوصفها غيابًا للموضوع ، وبوصفها تمييزًا بين الحقيقي والرمزي . ومن هنا فإن الكورا أهم من العلاقة القائمة بين الدال والمدلول ، أو أنها تعضد هذه العلاقة . ومع الكورا السيميائية لا يكون الاختلاف والهوية حاضرين بعد ... إن إحدى سمات العلامة هي أن المدلول لا يعين ضرورة موضوعًا حاضرًا . والكورا تسبق هذا المعنى القائل إن الموضوع غائب . فالتمييز ليس جزءًا من الوظيفة السيميائية ، لأن ذلك يمثل مسألة رمزية بنفسه . » ([27])

          وبناء على ما تفصله جوليا من فروقات بين السيميائي والرمزي يتضح أنه مثلما أن العلامة والتركيب سمتان للوظيفة الرمزية فإن سمات « التدفق والطاقة والموسيقية والأمومة والقابلية على التلقي -باختصار اللغة الشعرية -  يمكن أن تُنسب إلى السيميائي .» ([28]) ومع ذلك ترى جوليا أنه على الرغم من أن أفلاطون عرّف كورا عبر فكرة الوعاء وعبر فكرة الأمومية المغذية والعاضدة إلا أنها ترى أنها تفتقد السمة  الألوهية أو القدسية . ([29])

          وقد لاحظ سلفرمان في مقارنته بين جوليا وميرلوبونتي أن ثمة تطابقًا بين تفسير كريستيفا للعلاقات القائمة بين السيميائي والرمزي وبين ما يسميه ميرلوبونتي اللغة المحضة واللغة غير المباشرة . فاللغة غير المباشرة هي المسؤولة عن النمط الخلاق والثوري  , وهو ما يطابق الجانب السيميائي عند جوليا ، الذي لا يؤطره القانون الأبوي الرمزي ولا مجموعة القواعد الدلالية السائدة في اللغة المقررة سلفًا. وهذا ما يربط الشعرية والإبداعية عمومًا بالجانب الأنثوي الأمومي([30]). وكل هذا -كما نرى - ذو علاقة وثيقة بمفهوم كورا الوعاء الأمومي الشامل الخلاق .

 

4- كورا عند دريدا  ( Jacques Derrida ) :

       اهتم دريدا بمحاورة تيماوس ( طيماوس ) التي ورد فيها الحديث عن ( كورا ) في سياق اهتمامه بأفلاطون ومناوراته وتحليلاته التفكيكية لأفكاره في عدد من كتبه , خاصة في كتاب ( صيدلية أفلاطون) وفي كتابه ( في الاسم ) . ففي ( صيدلية أفلاطون ) نثر عددًا من الأفكار الواردة في هذه المحاورة في تضاعيف فصول هذا الكتاب . أما في كتاب ( في الاسم ) المقسم إلى ثلاثة أجزاء فقد خص دريدا  كورا بقسم مهم من هذا  الكتاب ([31]) , حيث تناول كورا من زاوية مقارباته وقراءاته المعروفة للفكر الغربي عامة ، ولأفلاطون خاصة ، ويظهر في هذا القسم من كتابه جملة أفكاره ومصطلحاته ومفاهيمه المتشابكة مع بعضها وعلاقتها بمسألة التسمية . ([32])

       وقد أشار دريدا إلى موقع ( كورا ) في دراساته بوصفها جزءًا مهمًا في جهازه المعرفي لمناقشة قضية الاسم  . يقول : « تعتبر كل محاولة من المحاولات الثلاث : انفعالات ، ما عدا الاسم ، خورا Khora مؤلفًا مستقلاً . وقد تقرأ  كما هي . فإذا ارتئي أن تنشر معًا فإن سلسلة من ذات القيمة thematique توحدها بالرغم من الأصل المتميز لكل منها ، إنها تؤلف ضربًا من قضية حول الاسم تتكون من ثلاثة فصول أو ثلاثة أزمنة ، ثلاثة تصورات أيضًا .» ([33])

          هكذا يضع دريدا كورا ضمن سلسلة اهتماماته ، فكورا تدور في فلك قضية الاسم . ولكنها - أي كورا - عنده  - كما سنرى - ذات علاقة بفكرة الأثر الأصلي . يقول « خورا : محاولة هي الأقدم من المحاولات الثلاث ، والمختلف مع ذلك من حيث الـ ( طبيعة ) أو ( حامل _ الأثر ) الأصلي ، حسب تصورنا . إنها تحدد فقط مأزقًا مثاليًا للنص الأفلاطوني .» ([34])

        وقد ركز دريدا كثيرًا من اهتمامه على محاورة تيماوس من بين نتاج أفلاطون , وركز في تيماوس تحديدًا على الجزء المتعلق بــ ( كورا ) . ويظهر ذلك بشكل جلي في كتابه ( صيدلية أفلاطون ) إذ يجد القارىء في مواضع مختلفة من هذا الكتاب تتبعًا للأفكار التي أثارها أفلاطون حول ( كورا ) . كما يجد حفرًا عميقًا حول تلك الأفكار والأسئلة التي تثيرها ( كورا ) لدى دريدا . فمثلاً في القسم الأخير من  ( صيدلية أفلاطون ) المعنون بـــ ( اللعب من الفارماكون إلى الحرف , ومن العماء إلى الزيادة ) يبدأ دريدا هذا الفصل بمفردة اللعب , ويلعب هو بدوره لعبه التقويضي المعروف حفرًا وتعميقًا فلسفيًا حولها . ثم يتوقف عند قضية الصوت والكتابة والحروف , وأثناء ذلك يتناول ( كورا ) ويستفيد من ملامحها التي حددها أفلاطون ( تلك التي فصلت الحديث عنها في مطلع بحثي هذا ) ليصل إلى استنتاجاته التفكيكية حول الصوت والكتابة والاختلاف والنقش والأثر . يقول : " لا شك أن محاورة "الطيماوس" قد نبهتنا من قبل : ففي جميع هذه المقارنات مع الكتابة ينبغي ألا نحمل الحروف على معناها الحرفي ... ومع ذلك فنلاحظ في "الطيماوس" لا فحسب أن اللعب الرياضي ( من الرياضيات ) للتناسبات يحيل إلى لوغوس قادر على الاستغناء عن الصوت ... بل أكثر من هذا أن إدخال الآخر والمزيج ... وإشكالية العلة التائهة والموضع – النوع الثالث غير القابل للاختزال – وازدواجية النماذج ... هذا كله يلزم ... بتحديد أصل العالم كأثر trace , أي انخطاط الصور والرسوم الخيالية في البوتقة , في الوعاء . بوتقة ووعاء غير قائمين في أي مكان , وليسا ممنوحين أبدًا في صورة الحضور أو في حضور الصورة , إذ كلاهما يفترضان من قبلُ الانتقاشَ في الأم ." ([35])

    هاهو دريدا يلتقط أبرز ملامح ( كورا ) لدى أفلاطون كورا / البوتقة أو الوعاء , وهي كذلك الرحم matrix) ) والأم , الرحم الحاضن للمادة المنتقشة فيه . و دريدا في هذا المقطع المقتبس يلعب على دلالة المفردة matrix ) ) كونها تعني أيضًا القالب المطبعي , وهو ما يربط فكر أفلاطون في هذه المسألة بتيمة الأم . ([36])

      ويمضي دريدا أبعد وأعمق في استلال الدلالات من فكرة الانتقاش أو الطبع والدمغ , فيركز نظره على فكرة المحل أو الموضع في هذا الرحم الحاوي . يقول : " إن "الموضع" و "المحل" , ما تظهر الأشياء "فيه" وتتجلى "فوقه" , "الوعاء" , "البوتقة" , "الأم" ,"الحاضنة" , هذه الصيغ جميعًا إنما تدفع إلى التفكير بالفضاء حاوي الأشياء . لكن في موضع أبعد يتعلق الأمر بـــــ"حامل الدمغات" بــــ"السواغ" , بالمادة المنزوعة الرائحة كليًا التي يثبت فيها العطارون الروائح , بالذهب الذي يقدر [الجوهرجي] ([37]) أن ينقش فوقه وفرة الصور المتباينة ." ([38])

ومع أن دريدا معروف بتتبعه وتقويضه للفكر الغربي والفلسفة الغربية عودًا بها إلى أفلاطون ، الذي تعرض له بعدد من المساءلات والتقويضات ، إلا أننا سنلاحظ هنا احتفاظ كورا  بكثير من السمات التي سكها لها أفلاطون . بل سنلاحظ كيف طورها دريدا وربطها بما سماه فيما بعد الأثر / الأصل ، كما يمكن أن نلحظ  علاقتها أيضًا بفكرة السر([39]) ، وبمصطلح الاختلاف وغيره ، إذ تتشابك المفاهيم لدى دريدا ويصعب فصلها .

يقول دريدا إن كورا هي مكان أو موقع الشيء الذي يفسح المجال لشيء للتخلق والوجود ، كورا هو « هذا  الـ شيء الذي لا يفسح المجال لشيء دون أن يمنح شيئًا على الاطلاق : لا النماذج المثالية للأشياء ولا النسخ التي يقيدها فيها خالق مثابر والفكرة واضحة أمام أنظاره . خورا ، فاقد الحس ، منيع إنما بلا قسوة ، صعب الخضوع للبلاغة ، خورا تثبط الهمة . هي نفسها التي تحطم جهود القناعة وكل من يحاول الاعتقاد أو يرغب في الحمل على الاعتقاد ، على سبيل المثال ، بالأشكال أو بالمجازات أو إغواءات الخطاب . خورا محاولة ليست محسوسة ولا واضحة ، لا استعارة ولا تعيينًا حرفيًا ، لا هذا ولا ذاك ، بل هذا وذاك . تشارك ولا تشارك في مفردات مزدوجة . إنها أيضًا (حاملة) أو (حاضنة) تشبه ، مع ذلك ، اسمًا علمًا متميزًا ، واسمًا شخصيًا ، كذلك اسمًا أموميًا وبكريًا ( ولهذا السبب نقول هنا دائمًا خورا وليس الخورا كما تقال دائمًا ) بينما ، مع ذلك ، تحدد بصمت اللقب الذي نطلقه عليها ، وتصمد في ما وراء كل شكل أمومي وأنثوي أو لاهوتي ، وسط تجربة يتعلق الأمر فيها بالتفكير . هكذا وفي أعماق الصمت يبدو أن خورا تستدعي اسمها ، غير أنها في الحقيقة لقب لاسم شخصي ، ربما لم تعد حتى نمطًا أو حفظًا للكلام . ليست أكثر من هذا العمق بلا قعر الذي يبشر بالليل بعد نهار . في حالة خورا ، ليس هناك تيولوجيا ([40]) سلبية ولا فكر الخير ، ولا فكر الأوحد أو فكر الله خارج الكائن . هذه التجربة الخارقة واللا متوقعة هي أيضًا من بين باقي الأبعاد سياسية ، وهي تكشف النقاب عن فكر من غير أن [ تعد ] ([41]) به ، وعن محنة السياسي . عندما تظاهر سقراط بتوجيه الخطاب إلى الآخرين والتحدث عن السياسة ... وهو يمضي ... بدأ يشبه خورا بنفسه , ويمثلها في خيال سيمضي دائمًا بصورة خفية ، ويتصورها ، هي ، خورا غير قابلة للمس والإدراك والحدوث ، قريبة جدًا بعيدة للغاية ، وهي التي تتلقـى كل شــــيء في ما وراء التبادل وفي ما وراء العطية . إنها مثل الواجب والضـرورة بلا [دَيْن] ([42]) .» ([43])

فهاهي ( كورا ) ما تزال تحتفظ بكونها الشيء المهيء لإمكانية الوجود , وبكونها موضعًا لتشكل الأشياء ، وبكونها غير محسوسة ولا مرئية أو واضحة ، وبكونها أمومية وحاضنة ، ومرتبطة بكل ما يتعلق بالمدرك العقلي مثلما وصفها أفلاطون . وهي هنا -  حسب إضافات دريدا -  ذات ارتباط بقضية الاسم ، ولكنها أيضًا ليست أكثر من العمق الذي بلا نهاية . إنها متأرجحة , فهي ليست هذا ولا ذاك , وهي الاثنان معًا في الوقت نفسه . وهي لذلك ترتبط بما يسميه - في مواضع أخرى - بالأثر الأصل . وإشارته في مطلع الحديث إلى ذلك تكاد تكون الأوضح في هذا الربط ، وإن كان حديثه عن الأثر / الأصل في مواضع أخرى لا يكشف فيه دريدا عن هذه العلاقة ، لكن معظم حديثه عن سمات الأثر الأصل يتلاقى في مفاصل مهمة مع السمات المذكورة أعلاه لـ ( كورا ).

والأثر / الأصل Trace عند دريدا هو أدنى أو أصغر مستويات البنية الضرورية لإيجاد أي اختلاف ، إذ المعرفة تقوم كنتيجة للعلاقة البنيوية التي تنجم عن التضاد . والأثر الأصل هو الإمكانية التكوينية للتلاعب المتبادل بين أطراف التضاد . وهو الإمكانية التكوينية لما يعرف عادة بالاختلاف([44]). والأثر الأصل هو الذي يحدد عمومية هذا الاختلاف « أي هو الاسم الذي يحدد عمومية الإمكانية الضرورية لكل اسم . ولما كان الأثر ( في الفكر الميتافيزيقي ) يعتبر ثانويًا ومشتقًا من أصل ومضادًا له ، أي مضاد لمفهوم الحضور الكامل ، فإن الأثر الذي يسمي الاختلاف بينهما كان لابد أن يكون اختلافًا قارًا في هوية ( الحضور الكامل ) ... ولهذا سيكون الأثر الأصل قد شق مسبقًا لحظة الحضور الكامل.»([45])

ولكن الغياب هو التمثيل الوحيد الممكن للأثر الأصل ، لأنه يتكون نتيجة لإمكانية واحتمالية هذا الانمحاء ، إذ الأثر كما يقول دريدا : « ممحاة الذاتية وممحاة حضور المرء ذاته , ويتكون ... بالاعتماد على تهديد أو وجل اختفائه المؤكد لا محالة . » ([46])  وهذا  الغياب الحتمي للأثر يقابل الغياب ولا مرئية الوجود المسمى كورا كما نلحظ .

          وبما أن الأثر الأصل هو أدنى متطلبات البنية لأي اختلاف فهو أول المحددات بين المفردات والمصطلحات أو الكينونات , وهكذا « فإن الأثر الأصل يوحد في آن حركة مزدوجة : حركة المرجعية ... وحركة انحراف الذات وتحويلتها عبر الآخر . إن الأثر لابد أن يفهم على أنه ثنية الانعكاس أو الانكسار الراجع وغير القابل للاختزال ... ومع عمومية بنية المرجعية هذه تصبح هذه البنية هي الحد الذي يمنع تطابق المرجع مع ما يرجع إليه تطابقًا تمامًا . وبهذه القدرة كبنية مرجعية عامة يكون الأثر الأصل هو بنية امتصاص الذات لعلامة الآخر... ولذلك لا يمكن أن يكون هناك أثر أصل نقي.» ([47])           

       وكورا في الأساس هي ذلك النوع من الوجود الذي يمنح شيئًا شكله وفرصته للوجود حتى على حدود الاسم ، ثم لا يكون هو نفسه ظاهرًا أو واضحًا . وهو أشبه بهذه البنية / الثنية التي تمنح شيئًا فرصته للانكشاف ثم تختفي .

         لقد التقط دريدا من أفلاطون فكرة الدمغة أو حامل الدمغات التي مرت قبل قليــل في اقتباس ســـابق ([48]), وفيها اتكاء واضح على تحديد أفلاطون لإحدى ملامح كورا إذ يجعل لها خاصية تشبه خاصية المادة المنزوعة الرائحة التي يثبت بها العطارون الرائحة , الفكرة الكامنة هنا ترتكز على هذه الإمكانية لتهيئة الفرصة للانوجاد أو الظهور . يقول أفلاطون في محاورة طيماوس وهو يوغل في وصفه لكورا : " دعني أثير الأسئلة الآن بشأن النار والعناصر الأخرى ... وبما أن هذه العناصر تتغير على الدوام فلا يمكن لأي شخص أن يؤكد أن أيًّا منها يكون شيئًا واحدًا بدلاً من أن يكون الشيء الآخر . ويلزمنا أن نفهم الطبائع الثلاث لعملية التغيير ... إن الطبيعة الأولى هي تلك التي تكون في عملية النشوء ؛ والثانية تلك التي يأخذ النشوء فيها مكانه , والثالثة هي التي ينشأ منها الشيء الذي يكون صورة أو شبهًا ومنتجًا بشكل طبيعي . ويمكننا أن نشبه المبدأ المستقبل بالأم , والأصل والمصدر بالأب, والطبيعة المتوسطة بالطفل . ويمكننا أن نقول أبعد من ذلك , وهو أن النسخة إذا كانت لتتخذ كل شكل من أشكال التنوع , فإن المادة التي تصاغ منها النسخة لن تكون معدة كما ينبغي حينئذ , ما لم تكن عديمة الصورة , ومتحررة من الأثر القوي لأي شكل من تلك الأشكال التي ستتلقاه من الخارج بعدئذ . لأن المادة إذا كانت مثل أي شكل من الأشكال الحادثة على نحو غير متوقع , حينئذ كلما انطبعت على ســطحها أي من الطبيعة المضادة أو المتباينة بشـكل كلي فإنها ستقبل الانطباع بشـــــكل ســيء . وهكذا يجب أن يفعل صانعو العطورات وأولئك الراغبون بطبع الأشكال على المواد الطرية .لهذا السبب فإن الأم ووعاء كل الأشياء المخلوقة والمرئية وفي أية طريقة محسوسة لا تكون لتدعى التراب أو الهواء أو النار أو الماء  بل يكون هذا الوعاء مخلوقًا غير مرئيّ ولا شكل له ، يتلقى كل الأشياء ، ويشارك بطريقة سرية ما فيما يتعلق بالمدرك بالعقل ، ويكون المخلوق الأكثر إبهامًا ." ([49])

            وحيث إن طبيعة المفاهيم التي يطرحها دريدا يصعب فصلها عن بعضها , ولابد من فهمهـا متصاحبة مع بعضها ، فإن فكرة الأثر ذات علاقة وثيقة بمصطلحه الآخر ( الاختلاف) . إن الأثر هو ما « يجعل حركة الدلالة ممكنة بشرط أن يرتبط كل حاضر أو ظاهر بشيء آخر غير نفسه ، ويحتفظ بعلامة عنصر ماض تميز حضوره ، كما يهيئ نفسه بتجويف ( أي أثر ) محدد يكون علامة علاقته بعنصر المستقبل . » ([50])  

     ومن خلال هذا التجويف ( لاحظ الترسب لصورة الوعاء الخاص بكورا ) يمكن لمفهوم الاختلاف -  كما يطرحه دريدا - أن يكون محددًا لهذه العلاقة الزمنية بين الماضي والحاضر والمستقبل , إذ العلاقة ذاتها أساس الزمن ومفهومه . ([51])

          كما أن ترسبًا آخر غير سمة التجويف والوعائية يظهر في مفهوم الاختلاف هو سمة الإنتاجية والمكانية ؛ فالاختلاف بوصفه حركة إنتاج لأشياء مختلفة تتصف بكونها حركة التمايز والتباين يرتبط بمفهوم المكانية ، إذ « إنتاج هذا التمايز والاختلاف ينجم  عن ( بينية ) مكانية تقابلية بين المتضادات ... ولهذا فإن الاختلاف ... يتحدد على أنه توزيع مكاني ... إن المكانية ، مثلها مثل مفاهيم التقويض الأخرى ( الأثر الأصل مثلاً ) لا هي زمان ولا هي مكان ، لكنها هي التي تعطي المكان إمكانية وجوده . فالاختلاف ... افتراض مسبق .» ([52])

         هكذا نلمح الترسب البعيد لمفهوم كورا ، حيث الـــ ( كورا ) إمكانية الوجود التي لا ترى ولا تمس ، ولكنها حاضرة بوصفها افتراضًا مسبقًا له سمة المكانية وسمته الخالقه وسمته المرتبطة بالمدرك العقلي وبالتسمية .  ومن هنا يمكن أن نلمح أن الاختلاف عند دريدا  « هو إمكانية تسمية وإدراك الاختلاف العيني ( الطبيعي )  , والاختلاف هو دائمًا سابق على أي وجود طبيعي وخارج عنه , حتى يتسنى للوجود / الكينونة إمكانية الإدراك والمعرفة ... ولهذا فإن الاختلاف أقدم وأسبق من الوجود . وهنا يكاد مفهوم الاختلاف يتطابق مع مفهوم الأثر الأصل .» ([53])

 

المصادر والمراجع :

 

  1. أفلاطون

المحاورات الكاملة . نقلها إلى العربية شوقي داوود تمراز ( بيروت ، الأهلية للنشر والتوزيع ط.        1994م)

  1. بدوي ، عبد الرحمن

أ - موسوعة الفلسفة ( بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر . ط الأولى 1984م).

ب - ملحق موسوعة الفلسفة (بيروت , المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط الأولى 1996م)

 

  1. دريدا

أ - صيدلية أفلاطون . ترجمة كاظم جهاد (تونس , دار الجنوب ,سنة 1998م )

ب - انفعالات ، ترجمة عزيز توما ( سوريا ، دار الحوار ط.الأولى 2005م)

 

  1. الرويلي ، ميجان و سعد البازعي

دليل الناقد الأدبي ( بيروت ، المركز الثقافي العربي ط.الثالثة سنة 2002م)

 

  1. سلفرمان ، ج . هيو

نصيات ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح ( بيروت ، المركز الثقافي العربي ط. الأولى2002م)  

 

 6- السواح , فراس

لغز عشتار : الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة ( دمشق , دار المنارة ط . الرابعة 1990م

 

     7- مينار ، لويس

هرمس المثلث العظمة أو النبي إدريس . ترجمة كاملة للكتب الهرمسية مع دراسة عن أصل هذه الكتب . ترجمة عبد الهادي عباس. دراسة لويس مينار ( دمشق ، دار الحصاد . ط. الأولى 1998م )

 

      8- الموسوعة العربية الميسرة ( القاهرة , مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر نسخة طبق الأصل عن ط 1965م )

 

 

المراجع الأجنبية :

 1- Derrida , Jacques

on the Name , Translated by David Wood, John P.  Leavey, JR. , and Ian Mcleod (Stanford University press, Stanford Califoornia, 1995)               

Kristeva , Julia  2-

Revolution in poetic language, Translated by Margaret Waller (New York : Columbia University Press, 1984)

 

                                                         

الدوريات:

كريستيفا ، جوليا « اسم موت أو حياة » ترجمة صبحي البستاني ( مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 23 سنة 1983م                                                           (

 

 


[1]- ويترجم أحيانًا خورا إذا كان رسمها khora   كما في بالفرنسية . تحاشيت استعمال كلمة مصطلح للإشارة إلى كورا ، واستعملت كلمة مفهوم بدلاً من مصطلح ، وذلك لأن كورا ليست شائعة أو معروفة حتى لكثير من المختصين ، كما أن اتساع دائرتها المفهومية أيضًا ، كما سيرى القـارئ ، دعاني للحذر من تسميتها مصطلحًا . وأسميها مفهومًا بناء على ما استقر عليه الباحثون في علم المصطلح ، وتحديدهم لمعنى كلمة مفهـوم ، إذ حسب توصية المنظمة الدولية للتقييس رقم 1087 يأتي تعريف المفهوم على النحو التالي :" المفهوم أي وحدة فكرية يعبر عنها بمصطلح أو رمز حرفي أو أي رمز آخر." ينظر : علي القاسمي ، مقالة علم المصطلح بين علم المنطق وعلم اللغة ( مجلة اللسان العربي تصدر في الرباط عن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم عدد 30 يوليو 1988م ) ص 88 وذلك استنادًا إلى : (Geneve : ISO , 1969) ISo, vocabulary of Terminology   ثم عدل على هذا التعريف المصطلحيون الكنديون ليصبح التعريف كما يلي : " المفهوم تمثيل فكري لشيء ما ( محسوس أو مجرد ) أو لصنف من الأشياء لها سمات مشتركة ، ويعبر عنها بمصطلح أو رمز . " ينظر المصدر السابق ص 88 .

[2]- ذلك مرتبط بنظرية أفلاطون المعرفية الإبستمولوجية القائمة على فكرة الأصل والمثل المتعالية.

[3]- أفلاطون ، المحاورات الكاملة. نقلها إلى العربية شوقي داوود تمراز ( بيروت ، الأهلية للنشر والتوزيع ط 1994م ) المجلد الخامس  ص 389.

[4]- وتبدو الواو قبل كلمة وعاء في الجملة (فإن الأم ووعاء ...)  وكأنها زائدة , ومع أنها هكذا في النص الأصلي لأفلاطون إلا أن ترجمة الجملة بالعربية هكذا قد تربك القارىء ، والمقصود أنه بوصفها الأم وبوصفها أيضًا الوعاء ..  

 -[5]المحاورات الكاملة ، محاورة طيماوس مج 5/ ص 390. وقد أعاد أفلاطون الفكرة نفسها في موضع آخر من المحاورة فقال : « فإن الأم والوعاء لكل الأشياء المخلوقة... » مج 5 / ص 440

 -[6] لي بحث تحت الإعداد عن الجرة وتمثلاتها في الأسطورة والأدب .

 -[7] فراس السواح , لغز عشتار : الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة ( دمشق , دار المنارة ط . الرابعة 1990م ) ص 53- 159

 -[8] المصدر السابق ص 158

 -[9] المصدر السابق ص 157 - 174

 -[10] المقصود بــ هيليه ( الهيولى ) يؤكد ذلك  جملة وردت في أول هذا النص الهرمسي تقول : " كان يوجد الله وهايليه وذلك ما كان الإغريق يسميه المادة أو جوهر العالم ." و ( الهيولى ) في المصطلح الفلسفي لفظ مرادف للمادة " وقد ردّ أرسطو الأشياء إلى مبدأين : الصورة والهيولى . فكل شيء هو جزء من المادة الأولية اكتسب صفات معينة حددت طبيعته ووظيفته وهي صورته . والهيولى لا تكون أبدًا بغير صورة إلا في التحليل العقلي . والصورة لا تكون إلا في هيولى مع بعض الاستثناءات , كالله , والنفس قبل حلولها في الجسد وبعد مفارقتها له . والهيولى مستعدة أن تكون أي شيء حسب الصورة التي تحل فيها , ويعبر عن هذا بأن الهيولى تكون أي شيء بالقوة , فإذا حلت بها صورة معينة أصبحت شيئًا معينًا بالفعل ." ينظر الموسوعة العربية الميسرة ( القاهرة , مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر نسخة طبق الأصل عن ط 1965م ) مادة هيولى .

[11] - هرمس المثلث العظمة أو النبي إدريس .ترجمة كاملة للكتب الهرمسية مع دراسة عن أصل هذه الكتب . ترجمة عبد الهادي عباس . دراسة لويس مينار ( دمشق ، دار الحصاد  ط. الأولى 1998م ) ص 158-159-160.

[12] - هكذا ورد النص المترجم وسلامة الجملة تقتضي : ليس النار ولا الماء .

[13] - المصدر السابق ص 98 .

[14] - الباطية  هي الجرة .

[15] - هكذا يرد اسم ابن هرمس في هذه الترجمة ، والنطق السائد في كثير من المصادر ( طوط ) بدلاً من ( تات ) فطوط هو الإله المصري القديم Thoth ، وقد ظهر اسم  طوط في الميثولوجيا المصرية القديمة بوصفه الكاتب للإله أوزيريس ، ومن تلك الوظيفة بوصفه كاتبًا نُسب إليه اختراع الكتابة . وفي الأدبيات العربية الهرمسية فقد قُدم هرمس ، لا ابنه ، بوصفه النبي إدريس الذي ينسب إليه علم الكتابة والصنعة .

[16] - المصدر السابق ص 98 – 99 .

[17] _ عبد الرحمن بدوي ، موسوعة الفلسفة ( بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر . ط الأولى 1984م ) والكلمة بين معقوفتين من تصويبي .

[18]- جوليا كريستيفا ، اسم موت أو حياة ، ترجمة صبحي البستاني ، مجلة الفكر العربي المعاصر عدد 23 سنة 1983م، ص 72 .

[19]- المصدر السابق ص 73.

[20] - المصدر السابق ص 73.

[21] -  ينظر الفصل المعنون بالسيميائي والرمزي من كتاب جوليا كريستيفا ( ثورة اللغة الشعرية )، ينظر :

Julia Kristeva , Revolution in poetic language , Translated by Margaret Waller (New York : Columbia University Press, 1984) P.24 -41.

وخاصة القسم رقم 2 من الفصل المشار إليه أعلاه والمعنون بـ The Semiotic Chora ordering the Drives.                                                           

 [22]- ج. هيو سلفرمان ، نصيات ترجمة حسن ناظم وعلي حاكم صالح ( بيروت ، المركز الثقافي العربي ط. الأولى 2002م ) ص 257  .

[23] -  Julia Kristeva , Revolution in poetic language , p29                                                                                           

[24]- سلفرمان ، نصيات ،  ص 257-258

[25] - المصدر السابق ص 258

[26] - Julia Kristeva , Revolution in poetic language , p. 25                                                                                                

[27] - سلفرمان ، نصيات ، ص 259.

[28] - المصدر السابق 260

[29] - Julia Kristeva , Revolution in poetic language , p. 26                                                                                                                   

[30] - سلفرمان ، نصيات ص 260-261

-[31] Jacques Derrida, On The Name , Translated by David Wood, John P.  Leavey, JR. , and Ian Mcleod (Stanford University press, Stanford Califoornia , 1995)  

يخصص دريدا القسم الأخير من كتابه ( ( On The Name  لــ ( كورا )   ينظر الصفحات من 89 إلى 127

[32] -  ينظر كتاب دريدا (On The Name  في الاسم ) الصفحات ما بين 89 - 127 .

[33]- دريدا ، انفعالات ، ترجمة عزيز توما ( سوريا ، دار الحوار ط.الأولى 2005م ) ص 31 . وقد كانت المقالات الثلاث ( في الاسم ) و ( كورا ) و  ( انفعالات ) مفرقة , وحين صدرت المقالات الثلاث في فرنسا في مجلد واحد بعنوان ( في الاسم ) حرر دريدا بضع صفحات وُضعت في مقدمة الكتاب , وهي الصفحات التي ترجم عزيز توما جزءًا  منها وصدر بها ترجمته لــ ( انفعالات ) فبدت وكأنها مقدمة دريدا لكتاب انفعالات , وكان يحسن الإشارة إلى ذلك .

 [34] - المصدر السابق ص 33 ويواصل المترجم ترجمته للجملة بقوله : " ... للنص الأفلاطوني . وتيمة Timee يسمي خورا Khora موضع , مكان , فسحة .." وقد استخدم المترجم كلمة تيمة وبجوارها المفردة الأجنبية Timee , وهو خطأ واضح ؛ لأنك إذا رجعت لنص دريدا تجده يقول :

"The Timaeus names Khora (locality , place ,spacing,site ), this … " فحسب نص دريدا لا وجود لتيمة وإنما هناك تيماوس إشارة إلى محاورة تيماوس , ينظر كتاب دريدا  Jacques Derrida, on the Name , p . xv   ,

 [35] - دريدا , صيدلية أفلاطون . ترجمة كاظم جهاد (تونس , دار الجنوب , سنة 1998م ) ص 120-121 والكلمات في النص المقتبس المؤكد عليها باللون الأسود الغامق من عمل دريدا نفسه .

 [36] -  يقول كاظم جهاد:" تدل matrice على المصهر والبوتقة , وعلى الرحم أيضًا فهي تعني كل ما هو حاو للشيء أو متضمن عليه . ومن هنا تطلق المفردة أيضًا على القوالب المطبعية للكتاب , إنها نسخته الأم . وما يلمح إليه دريدا هو بالطبع اندراج فكر أفلاطون في موضوعة الأم وبنيتها ." ينظر حاشية ج ص 121 من  (صيدلية أفلاطون ).

 [37] - وردت في النص (الجوهري ) وقد عدلتها لأن السياق يقتضي جوهرجي ( الذي يعمل بالمجوهرات) لأن ترجمتها بالجوهري ملبسة في سياق فلسفي يصرف الفهم إلى فكرة الجوهر مقابل العرض .

 [38] -  صيدلية أفلاطون , ص121

[39] - يقول دريدا : « والسر سيبقى متواريًا صامتًا محصنًا مثل الــــkora   » انفعالات ص 70

[40] - ( Theology) علم اللاهوت أو البحث في الإلهيات  " واللفظ اليوناني ثيولوجيا معناه الأصلي الاشتقاقي القول في الله . لكن معناه تطور كثيرًا " ينظر عبدالرحمن بدوي , ملحق موسوعة الفلسفة (بيروت , المؤسسة العربية للدراسات والنشر ط. الأولى 1996م ) مادة الإلهيات .

 [41]- وردت في النص المترجم هكذا : " من غير أن توعد به " وقد عدلتها في النص أعلاه بين معقوفتين .

 [42]- كلمة دين بين معقوفتين مضبوطة بالشكل من عملي , وكان المأمول أن يضبطها المترجم فهي من الدين إذ هي في نص دريدا  (debt) .

[43]- دريدا ، انفعالات ص 33-34.

[44]- ينظر ما  كتبه د.ميجان الرويلي في مادة الأثر /  الأصل ضمن كتابه  المشترك مع د. البازعي دليل الناقد الأدبي ( بيروت ، المركز الثقافي العربي ط.الثالثة سنة 2002م )  ص 112

[45]- المصدر السابق ص 113

[46]- المصدر السابق ص 113

[47]- المصدر السابق ص 114-115

[48]- ينظر ص 11 من هذا البحث .

[49]- أفلاطون ، المحاورات الكاملة , محاورة طيماوس مج 5/ 389-390.

[50]- دليل الناقد الأدبي , مادة الاختلاف ص 117

[51]- المصدر السابق ص 117

[52]- المصدر السابق ص 117

[53]- المصدر السابق ص 119