الصفحة الرئيسية
 /  
الذات في عين المادة 1
 /  
رجوع

الذات في عين المادة 1


ثمة عين تحضر كل المناسبات وتزاحم لترى بل لتتصدر من يعيشون اللحظات المميزة والسعيدة.هذه العين لماذا نلح في دعوتها ؟ ولماذا نستسلم لفضولها برضا وابتسام؟ ولماذا يحرص بعضنا على الاحتفاظ بالآخر ولو في صورة؟.

 

إن تبرير الذكرى هو هاجس إنساني ملح حتى في حالة الحضور، إن استباق لخوفٍ ما واستحضار الغد في أمان التسييج لصورة مؤطرة ضد النسيان، الذي يعرف كل منا أنه سرعان ما يلتهم الأشياء والأحياء حينما يصرون على المغادرة والابتعاد؛ فتنسكب حتى آخر لمحة أقفيتهم في حد الأفق الأحدب وتعاريج وانحناءات القلب والذاكرة، فيجف المدى منهم إلا كبريق مثل سراب يظل يخايل و يلذع !!!.

ترى هل الصور – وهي ذاكرة المادي والمتجسد منا- هي مجرد صور؟ وما الذي تستحضره الصور وما الذي تخفيه ؟ وهل الصور في حال الحضور هي نفسها لها ذات الوظيفة والأثر في حال الغياب؟

أظن في الصور روح كامن مراوغ حتى لو ادعت الفرشاة أو عين الكاميرا أنها تسمر اللقطة !!!.

ترى هل استطاع أحد أن يفسر تلك الروح التي تتقافز من لوحة كالموناليزا؟ أين تكمن بؤرة اللقطة ؟ في التكوين كله، أم في العينين، أم في الابتسامة المحيرة، أم في التاريخ الخلفي الذي يسيج تاريخ اللقطة وقصة الرسام والموديل وحكاية اللوحة؟.

أليست الصورة إذًا – مراوغة كما قلت، و إلا لماذا يستسلم الناس برضا لسجون الصور وكأنما هم بذلك يراوغون الوقت والموت فيتبسمون لأنهم استطاعوا إيقاف الوقت لحظة وتجمدوا متحدين سيال الزمن. لِنَقٌل – إذًا- إن الصور ابتسام مؤقت لانهزام دائم حتمي أمام الوقت والذاكرة !! مثلها مثل ابتسام الخيال والمجاز وزهور الكلام على الورق متحدية نوازع الفناء، كلاهما يتسمر بطريقته الخاصة، والصور مثلها مثل اللغة، أو ليست الصور لغة هي الاخرى؟ لكنها مزهوة جدًا جدًا بماديتها وبعنصر التشخيص فيها حد النطق، حد اللغة الاخرى التي لا يمكنها التواضع ولا يمكنها الكلام!!

وما دمنا نتكلم عن الصور، فنحن بالضرورة نحتاج إلى مدى بصري، ونحن في اللغة كثيرًا ما نحتاج إلى شيء كحدقة الكاميرا، لأننا أيضًا هنا نتحرك في مدى بصري، وان لم يكن حقيقيًا فنحن نصنعه ونتخيله، تلك هي حدقة المخيلة ومداها الرحب!!!.

ومع ذلك كله ما الذي تقبض عليه الصور منا؟ على بعض خطوط وملامح؟ ترى هل تستطيع عين الكاميرا ان تقبض على جمال الدواخل منا، على فرادة الانسان فينا؟

تلك لقطات مستحيلات، تلك هي اللقطات التي لا يحققها الا ابداع اللغة، أو ابداع تقاطعات و تماهيات الحياة و الاحياء و الاشياء!!.     

 


.