دراسة بعنوان ( الظل في الميثولوجيا والمدونة التراثية والدينية والصوفية ) نشرت في مجلة التراث العربي الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب في دمشق العدد 95 أيلول 2004 م
جاء عند العرب قديماً "يقال للرجل إذا مات ضحا ظله لأنه إذا مات صار لا ظل له"(1) وهذا مرتبط بالروح وعلاقتها بالحياة والخلود وخروجها من الجسد.
على المستوى الأنثروبولوجي عاشت لدى العرب أسطورة مرتبطة بهذا الظل المغادر بهذا الكائن الشبحي؛ لذلك كانوا أيضاً يقولون أصبح فلان هامة إذا مات. فما علاقة الظل بهذه الهامة؟ يقول ابن منظور في لسان العرب: "الهامة رأس كل شيء من الروحانيين … قال الأزهري: أراد الليث بالروحانيين ذوي الأجسام القائمة بما جعل الله فيها من الأرواح"(2) وهذا المدخل اللغوي الذي يسبق تعريفه للهامة مهم من حيث علاقته الوثيقة بالروح، وعلاقة الروح بالموت.
أما ما هي الهامة ؟ فلقد عاشت لدى العرب في الجاهلية أسطورة تقول إن روح القتيل الذي لم يُدرك بثأره تصير هامة (طائر يشبه البومة) فتصيح عند قبره: اسقوني، اسقوني! فإذا أدرك بثأره طارت.(3) ومنه قول ذي الأصبع العدواني:
يا عمرو، إن لا تدع شتمي ومنقصتي |
|
|
|
أضربك حتى تقول الهامة اسقوني |
|
وقد أورد ابن منظور قولاً ينسبه إلى أبي عبيدة يقول فيه عن الهامة: " إن العرب كانت تقول إن عظام الموتى وقيل أرواحهم تصير هامة فتطير، وقيل كانوا يسمون ذلك الطائر الذي يخرج من هامة الميت أي رأسه الصدى ذكر البومة فنفاه الإسلام ونهاهم عنه " (4) ، وهذا القول يوسع علاقة الهامة بالظل؛ فلا يربطها فقط بحالة القتيل الذي لم يُدرك ثأره، بل يربطها بأرواح الموتى عامة. وهذا ما يجعلها وثيقة الصلة بالروح أو الظل المغادر الذي هو شبح الجسد.
وهذا الاعتقاد بالأشباح أو الأطياف قديم وشائع في عدد من الثقافات وهو اعتقاد قائم على فكرة " أن روح الإنسان (أو روح أي شيء ) هي شكل في داخل شكل مزود بإرادة وحركة خاصة به . والشبح طيف أو خيال شخص ميت. وكثيراً ما كانت الأطياف تعد الهامات أو تحذيرات سابقة… وتعد بعض الأرواح خيرة… ولكن معظمها يعد متشبعاً بالانتقام… وأكثرها شراً أرواح الأشخاص الذين ماتوا موتاً عنيفاً كالمنتحرين… وهناك تقاليد كثيرة خاصة بالدفن نبعت من الرغبة في تهدئة الموتى وإبعادهم عن تتبع الأحياء… "(5) .
وقد عرض جيمس فريزر في كتابه الغصن الذهبي ، معتقدات لبعض الشعوب تكشف عن رؤية للظل مرتبطة بروح الإنسان وإنه متى ما تعرض الظل للخطر فإن الإنسان نفسه معرض للموت والخطر ، فقبائل (الزولو) يعتقدون إنهم إذا ما نظروا في ما بحيرة أثناء الليل فإن ذلك يهدد حياتهم ، لأن داخل الماء حيوانات تغتال ظلالهم وبالتالي أرواحهم ، كما أن قبائل (البازوتو) يعتقدون أن للتماسيح قدرة على سلب أرواح البشر عن طريق الهجوم على ظلالهم لو انعكست على الماء أو كانت قريبة منه . (6)
ويرى بعض مفسري الأحلام العرب أن رؤية التمساح في المنام دالة على الشر ومسح العمر ونذير شؤم وشر وشيك للرائي .(7) كما أن العرب تنسب الجور والظلم للتمساح ويقال في الأمثال : " أظلم من التمساح وكافأه مكافأة التمساح ".(8)
ونلحظ ارتباط الظل والموت بهذا الحيوان الملازم للماء غالبًا . وقد أورد بورخيس في ( كتاب المخلوقات الوهمية ) فصلاً بعنوان ( ملتهم الظلال ) يتحدث فيه عن مجموعة من الكتب المرتبطة بالموت عند عدد من الشعوب ، ويركز على كتاب الموتى المصري وكتاب لأهل التيبت يسميه : ( التحرر بالسماع على سطح ما بعد الموت ) ويقارن بين الاثنين قائلاً :
" في النصين نعثر على ديوان للآلهة ، وبعضها لها رأس قرد ، وفي النصين نجد توازنًا بين الفضائل والخطايا . في كتاب الموتى ريشة وقلب يحتلان كفتي الميزان ، وفي كتاب التحرر بالسماع .. حصاتان صغيرتان إحداهما بيضاء اللون ، والأخرى سوداء اللون .عند أهل التيبت تقوم الشياطين مقام الجلادين الغاضبين ، وعند المصريين ، ملتهمو الظلال. يحلف الميت أنه لم يكن سببًا لجوع أو دموع ، وأنه لم يقتل ولم يحرض على قتل ، وأنه لم يسرق أطعمة الأضرحة ، وأنه لم يزور الأوزان أو المقاييس .... إذا كذب يحيله الاثنان وأربعون قاضيًا إلى الملتهم (الذي له رأس تمساح وجذع أسد ومؤخر فرس النهر) ويساعده في مهمته هذه حيوان هو الـ " باباي" والذي لا نعرف عنه سوى أنه مخيف وأن بلوتارك قال إنه جبار ، والد خرافة."(9)
Rafef_fa@maktoob.com
(1) ابن منظور، لسان العرب ، بيروت دار لسان العرب، د.ت ) مادة ظلل .
(2) المصدر السابق، مادة هوم .
(2) ينظر الدميري ، حياة الحيوان الكبرى ( بيروت دار الألباب .د.ت ) ج1/202 مادة بوم ، وينظر كذلك محمد عجينة ، موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها ( بيروت ، دار الفارابي ط. الأولى 1994م ) ص 331-332 .
(4) اللسان مادة ، هوم.
(5) الموسوعة العربية الميسرة ( القاهرة ، دار الشعب ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر 1965م ) مادة طيف .
Frazer. J . The Golden Boungh ( Londan , Macmillan . 1950) P.192 (6)
(7) يقول الشيخ عبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تعبير المنام : تمساح : تدل رؤيته في المنام على شرطي ، لأنه شر ما في البحر لا يأمنه عدو ولا صديق .... وربما دلت رؤيته على مسح العمر بسبب الغرق ... " تعطير الأنام في تعبير المنام ( بيروت ، دار الفكر 1384هـ ) ج1 ص 86 .
(8) الميداني ، مجمع الأمثال . تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ( القاهرة ، مطبعة السنة المحمدية سنة 1374هـ / 1955م ) الجزء الأول ص 446.
(9) بورخيس ، من كتاب المخلوقات الوهمية ، ترجمه بسام حجار ( بيروت ، المركز الثقافي العربي ، ط. الأولى 2006م ) ص 64-65 ,