أورد آرثر كورتل في كتابه (قاموس أساطير العالم) وهو يتحدث عن أساطير أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية قصة (كاناسا) الذي تعثر بالظل الذي رسمه فآذاه . تقول الأسطورة " كاناسا الإله الخالق في أسطورة (الكويروكو) وهو الذي جاء بالنار للبشر . ويقولون إنه رسم ظلاً للأشعة على الطين على ضفاف البحيرة ، ونظرًا لحلول الظلام لم ير طريقه ، فتعثر بالرسم الذي رسمه للأشعة ، فبـدأت الأشعة بإيذائه فقام بالقفز إلى الماء ، وقال غاضبًا : " لقد عملتها وقبل أن أخلقها بدأت بإيذائي وجرحـي ،" وتذكر بأن ملك النسور هو سيد النار ، فقام برسم خطة إذ تعلق بأحد أرجل الطير النـسر ، وأجبره على العودة بالظل إلى الأرض ، ورغم أن الضفادع حاولت إطفاء نار كاناسا لكن النار المقدسة لم تخمد ، وبعدها قام كاناسا بحملها بعيدًا عن البحيرة ." (1)
ومع أن الظل أو الكائن الشبحي للروح ارتبط بالموت، إلا أنه ارتبط أيضاً بأساطير الخلق الأولى، كما سنرى في تفصيل القول عن الظل في المدونة الصوفية، وبانقسام الخلية الأصلية للكاوس البدئي . ففي الثقافة التاوية(2) هناك أسطورة " yin – و yang الين واليانغ (Ch) الاثيران اللذان خرجا من انقسام الخلية الأصلية للكاوس البدائي تشي chi ، الين مؤنث مظلم سلبي وهو من الأرض. ويرمز له بخط منقسم أو منكسر. اليانغ مذكر ، مشرق إيجابي ، وهو من السماوات ، ويرمز له بخط غير منكسر … والين واليانغ قاعدة الثنوية الأساسية، حيث القوى المتناوبة والمتعارضة تقوم بخلق الكون." (3)
فمن تفاعل هاتين القوتين يتخلق العالم، وبفضلهما يتم التوازن للعالم، فلا تلغي إحداهما الأخرى. فبحسب هذه الأسطورة يسود اليانغ السماء وتسود الين في الأرض. فالين هو العتم والظل والرطوبة والغموض ، أما اليانغ فهو الحرارة والقوة والإنجاز والوضوح(4) .وقد أطلق الفكر اليوناني على المبدأ السالب الذي يوازي الين اسم الايروس، وعلى المبدأ الموجب اسم اللوغوس ، فعالم الرغبات والغرائز يسود في الأول، ويغلب المنطق والتفكير في الثاني(5) . وسنرى - فيما يأتي – كيف سيطور علم النفس على يد يونغ هذه الفكرة في مقولة الأنيما والأنيموس، حيث الانيما تسود في المرأة والأنيموس يسود في الرجل. وترمز الثقافة التاوية لهذه الفكرة التي تحوي داخلها مبدأ الخلق السالب والموجب بدائرة على هذا النحو :
ويرمز نصف الدائرة المظلل المعتم للجانب المؤنث الين، أما الجانب الأبيض من الدائرة فهو اليانغ.
هذه الفكرة، أعني علاقة الظل بالموت وبالروح وبالخلود، وعلاقة الظل بالخلق ومبدأ تخلق الكون ستجد لها أصداء قوية في التراث الصوفي، وستترك آثارها في علم النفس والفلسفة.
(1) آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ص 199 .
(2) نسبة إلى Tao ، وتترجم أحيانًا الطاو ، وهي الطاقة والقوة الكونية الأولى حسب الفلسفة والديانة الصينية.والتاوية مذهب فلسفي صيني يرجح أنه ظهر في القرن الرابع ق.م ، كما أنها اسم لديانة ظهرت في القرن الثاني ق.م ، وكلمة تاو في الأصل تعني الطريق والسبيل . ومفهوم التاو متسع ومتشعب . ويرى الدارسون أن لكلمة تاو في الصينية معاني كثيرة " قد تشير إلى مفهوم ميتافيزيقي عام جدًا أو إلى منهج أو طريق شخصي تمامًا ... ويختلف الطاو عن العلم في أنه لا يجاهد ليكون موضوعيًا أو كميًا أو محددًا بإحكام ... وربما يكون الملمح الأكثر غرابة بالنسبة للطاو أنه هو نفسه قادر على أن يتغير ويتحول .. وفيما لا يشبه كثيرًا من النظم الغربية المطلقة يعتبر المبدأ الصيني في ذاته مبدأ صيرورة وتحول .. ويضاف إلى ذلك أن الطاو الشخصي معرض للتغيرات تبعًا للشخص والظروف والوقت ويرتبط بصيرورة الأشياء ... وفيما وراء هذه الاعتبارات العامة هناك تعريف أقل غموضًا للطاو : ين yin واحد ويانج yang واحد . هذا هو الطاو وهذا هو التعريف الذي ... يظهر الطاو كتبادل بين طورين ديناميكيين أساسيين : الين واليانج . والين أنثوي يستقبل الطاقة ومن الجانب الرمزي للآي تشنج يتم تمثيله بخط مقطوع ـ ـ واليانج ذكوري وهو الذي يعطي الطاقة ويتم تمثيله في الآي تشنج بخط غير مقطوع ــ ولا تعتبر القوتان متعارضتان ضد بعضهما بعضًا لكنهما يعملان بتآلف لصالحهما العام . " ينظر ص 17-19 من كتاب جونسون ف . يان ، الشفرة الوراثية وكتاب التحولات (طاو والحياة) ترجمةعزت عامر (القاهرة ، المجلس الأعلى للثقافة 2005م) وينظر لمزيد من التفصيلات الموسوعة العربية العالمية مادة (الطاوية) مجلد 15 (الرياض ، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع ط.الثانية 1419هـ / 1999م) .
(3) ماكس شابيرو ورودا هندريكس، معجم الأساطير ص 268 ، وينظر كذلك آرثر كورتل ، قاموس أساطير العالم ص 123 .
(4) فراس السواح، لغز عشتار (دمشق ، دار المنارة . ط الرابعة ، 1990م) ص76
(5) المصدر السابق ، ص76