كنت قد تناولت منذ سنوات فكرة العنف في النظرة إلى الجمال والعنف في الاستعارات والمجازات الأدبية في بحث لي بعنوان (الجمال والعنف: البنى التصورية والطقس القرباني) نُشر ضمن كتاب (قراءات معرفية) الصادر عن مركز الملك فيصل للبحوث، وفيه بينت كيف وصف العرب البليغ بأنه من «طبق المفصل وأغناك عن المفسر. « (1). وقد سأل عامر بن الظرب العدواني حمامة بن رافع الدوسي عن أبلغ الناس فقال :» من حلى المعنى المزيز باللفظ الوجيز، وطبق المفصل قبل التحزيز. « (2)
كما جاء في معجم لسان العرب: « والمطبق من السيوف الذي يصيب المفصل فيبينه. يقال: طبق السيف إذا أصاب المفصل فأبان العضو...، ومنه قولهم للرجل إذا أصاب الحجة: إنه يطبق المفصل... يقال للبليغ من الرجال: قد طبق المفصل، ورد قالب الكلام، ووضع الهناء مواضع النُقب. ..، وطبق فلان إذا أصاب فصّ الحديث... والمطبق من الرجال الذي يصيب الأمور برأيه. « (3)
وقد أورد الجاحظ أثناء حديثه عن عدد من البلغاء والخطباء مجموعة مرويات وأخبار فيها وصف للمصيب في القول ومدح للبليغ والقول الفصل. يقول الجاحظ: « ويقولون في إصابة عين المعنى بالكلام الموجز: « فلان يفُلُّ المحزّ، ويصيب المفصل.» وأخذوا ذلك من صفة الجزار الحاذق فجعلوه مثلا للمصيب الموجز. « (4)
وأقدم للقارىء هذه النصوص لأوضح له مدى تغلغل العنف في بعض التصورات والمجازات التي يكشف التدقيق والبحث وجود نظائر لها كذلك في التعبيرات الشعبية، التي رأينا نموذجًا لها في المثل المصري الذي تناولته في المقالة السابقة (فلان سرقاه السكينة) وهذا التقديم والتوضيح هو نوع من الاعتذار للقارىء لمواصلة الحديث عن الذبح وأدواته ودلالاته، فهو موضوع مزعج وقائم على الكشف عن منابع العنف في التصور والمجازات المثلية وكاشف عن العنف والرداءة في العلاقات الإنسانية.
ومثلي المخترع (الذبح بالملعقة) يتصادى ضرورة مع التصور النقيض في المدونة التراثية من وصف للخبير المجرب والبليغ المفحم بأنه يعرف المحز ويطبق المفصل! كما أنه يتصادى ويقف على النقيض مباشرة مع المثل الشعبي النجدي القائل (يا حبي للطرير لوهو بحلقي) وهما موضوع المقالة التالية.
(1) ابن رشيق، العمدة تحقيق مفيد قميحة، ص 172.
(2) م.ن ص 170.
(3) ابن منظور، لسان العرب، مادة طبق.
(4) الجاحظ، البيان والتبيين، ج1- 107.