وعدت القارئ في المقالة السابقة بالحديث عن (الذبح بالملعقة)؛ وهو تعبير يتصادى ضرورة مع التصور النقيض في المدونة التراثية من وصف للخبير المجرب والبليغ المفحم بأنه يعرف المحز ويطبق المفصل! كما أنه يتصادى ويقف على النقيض مباشرة مع المثل الشعبي النجدي القائل (يا حبي للطرير لو هو بحلقي) وهو مثل يقال في موقف الضيق والتبرم من رداءة الأداء وقلة الخبرة والبطء في الإنجاز. والطرير صفة للسكين حينما يكون نصلها حادًا وقاطعًا. ولا يغيب عن فطنة القارئ ودقة ملاحظته كيف بالغ المثل الشعبي في تمني سرعة الإنجاز وجودته مشبهًا بالسكين التي تقطع بسرعة حتى لو كانت هذه السكين مسلطة على حلق المتحدث وتقطعه!
والذبح بالملعقة على النقيض من ذلك، بل إنه في طويته يخفي أمنية مطلق المثل (يا حبي للطرير لو هو بحلقي) وتلذّذه بعمل السكين في حلقه درءاً لاحتمال أن يكون المصير ذبحًا بالملعقة!!
معظم مؤسساتنا الحكومية الغارقة في لعبة التعذيب بالبيروقراطية وبالدهاليز الإدارية تنتهج آلية الذبح بالملعقة!
معظم الأشخاص الذين تقابلهم في حياتك والذين يكون من صفاتهم الخداع والالتفاف والمناورة وعدم الصدع بالحق والحقيقة وعدم التعامل بوضوح ونزاهة وصدق دون (ملاوعة) هم ممن يذبحون بالملعقة!!
معظم السياسيين في معالجاتهم للقضايا السياسية الشائكة والعالقة منذ عقود يتلذّذون بآلية الذبح بالملعقة!!
معظم العلاقات الإنسانية، والزوجية منها على وجه الخصوص، إذا قامت على مداراة الشروخ دون محاولة رأبها، وإذا قامت على محاولة تجميل العلاقة من الخارج وترك العطب مع الوقت ينخر من الداخل تؤدي إلى الموت البطيء، وهو شكل ناعم من أشكال الذبح بالملعقة، نوع يسمم الحياة دون أن ينتبه له أي من الطرفين إلا بعد فوات الآوان!!
الذبح بالملعقة منتشر أكثر مما نتصور، وهو ما يحيل على علامة استفهام خطيرة وسؤال مهم: كيف يمكن أن يستمر وهو لا يعكس إلا بدائية في الخبرة والتصرف والعقل والإحساس؟