" أحب أن أتجوهر في حقيقتي
كما تتجوهر قطرة المطر في فكرة الغيم "
هكذا قلت في محاولة لمراوغة الحارس فيَّ ،
الذي يسهر على حراسة أسطورتي الخاصة ،
كنتُ أريد أن أثبت لي وله – في جانب من نفسي القصية -
أن هذا التمثال المصبوب من غيم يتجوهر في فضاءات
مدهشة ليس في الحقيقة سوى مطر محتمل ، وإذا
أمطر فغالبًا ما يكون هادرًا وغير محتمل !!
كانت أسطورتي - بممكنها ومتحققها - فوق طاقة
الفضاءات المفتوح منها والمغلق ...
كانت أسطورتي أقوى من احتمالي وأضعف
من جدب الواقع وفقره .
وكنتُ هناك أتجوهر في الحلم تارة ، وفي الأسطورة
تارة ، في ممكن الغيم ، وممكن الفكرة ،
وبين القوة والفعل كان إزميلي مرة ينحت
أسطورتي - تمثالي الداخلي- وتارة يقوّض
ما نتأ من أوهام الفضاءات واستطال من
أطياف الحقائق التي علا ظلُّها حتى صار
أكبر من بدئها .
نعم : كان كثير من أسئلتي القلقة يقف على هذا
المفصل البرزخي : كم هي المسافة الفاصلة بين ما نحن عليه
وبين اللحظة البدئية ؟
كلما طالت المسافة بين الاثنين
يمكن أن نعثر على جواب مرتبك !!
بعضنا سيقول : إن مقياس عبورنا نحو التحقق
واجتياز المسافة بين القوة والفعل ، وبين
البدئي فينا والمتحقق ، يكمن في طول المسافة
واستحالة العودة .
وبعضنا سيملك إجابة مناهضة ، شعرية على نحو ما ،
ليقول : كلما أمكن للإنسان أن يتحرك سريعًا من
وإلى ؛ من البدئي إلى ما هو عليه الآن ، فذاك يعني
أنه مازال يملك بياضه الخاص وإمكان تحقق
لوحته بكل الألوان غير المشبوهة أو المرتبكة
أو المنشغلة بتعثّراتها !!
كلما كان المرء غير متيقن من حقيقته ، وغير
متأكد من تعثراته وتوصيفاتها، كلما بدا
أكثر طبيعية وأكثر بشرية وأكثر قربًا
من مرونته البدئية وغضاضة الروح والفكر فيه .
أردأ أنواع الصدأ ما يمكنه أن يصل إلينا فيكمن في
جرأتنا على القطعّية واليقين الفج دون أن ننتبه أنه
ثاوٍ هناك يأكل عقولنا وإحساسنا دون أن ندري !
لا تنحت تمثالك ، ولا تقوضه،
لا تأكله ، ولا تعبده ،
ولكن كن صديقًا لذاتك واسمح لأسطورتها
أن تمارس أسطوريتها وفق منطقها الذي
يبتكر عالمها وفضاءاتها، ويعيد تشكيل العالم
متناغمًا مع أساطير تعبر العالم !!