الصفحة الرئيسية
 /  
القتيل الذي لا يموت 2
 /  
رجوع

القتيل الذي لا يموت 2


ولست اتحدث هنا عن مفهوم استهلاكي للنص أو امتحان للحضور المزيف، على الرغم من وجاهة المفهوم الاستهلاكي هنا وضرورته أحيانا، و أنما ماهو حاضر هنا بالدرجة الأولى هو هيمنة المفهوم الزمني مجدولا بحس الموت، زمن الرؤية والرؤيا، وزمن الابداع، وزمن الذات الفيزيائي، و احساسها الواعي وغير الواعي بذلك الانجذاب القسري نحو الموت وآلية الفناء، ومن هنا يبدو كيف أن مفهوم الاستهلاك ليس ببعيد عن مفهوم الموت أو القتل، حيث الحضور الانساني محكوم بمصيره المحتوم الفناء وعمله الابداعي الخلاق مسكون مهموم بحلم الاستمرار والبقاء. وهو منصل من المواجهة ملتهب وخطير للذات نفسها اذ تنشطر إزاء حلمها من جهة، ومن جهة أخرى في مواجهة نفسها بين ذات قارئة وذات كاتبة، تلك الذات التي ما إن تقول الشيء حتى تقتله، على الأقل في الشكل الذي كفنته فيه على الصفحة البيضاء!!

وأعني بقتله أن تحوله من ميتافيزيقيا على فيزيقيا منصوصة مصلوبة على السطور لتعود بعد ذلك الذات تبحث من جديد عن تشكيل آخر تنقب في المكبوت والممكن وفي ما وراء اللغة وما قبلها إن استطعت، حالة من اللهاث والعدو على أرض من سعير متحرك مثل لهاث بركان لا يتوقف جريانه نحو هوة لا تُرى ووديان يكون احتراقها نذير خصبها!!

وصحيح أن الأشياء يمكن بعثها ثانية وقتلها أيضا من جديد بكتابة جديدة، لكن هذا النوع من العنف المألوف جدا لم يعد ملحوظا، فقد تعلمنا أول أنواع العنف و الهيمنات وممارسة التسلط مع أول تعلمنا الكتابة، حتى إن اسرنا الدوال في المدلولات أو العكس ليس إلا أبرز وأول مظاهر العنف الذي انتهج مع اللغة، وانتهجته اللغة و الانسان مع الكون وأشيائه، بدءا بأشياء الكون الداخلي للانسان!! بل كلمة كتب لاتقل عنفا و اعتسافا عن كبت، فنحن نلاحظ حتى في المستوى المعجمي الأول لمعنى كلمة كتب كيف تنطوي أصلا على معنى العنف و العسف، وكيف يتحرك جذرها الحسي على مفهوم الضبط والكبح.