الصفحة الرئيسية
 /  
القتيل الذي لا يموت 3
 /  
رجوع

القتيل الذي لا يموت 3


ان كلمة كتب لا تقل عنفا عن كبت، فنحن نلاحظ حتى في المستوى المعجمي الأول لمعنى كلمة كتب كيف تنطوي أصلا على معنى العنف و العسف، وكيف يتحرك جذرها الحسي على مفهوم الضبط والكبح!!

يقول ابن منظور "كتب السقاء والمزادة والقربة بمعنى خرزة بسيرين.. و قيل هو أن يشد فمه حتى لا يقطر منه شيء".

ودعك من معنى التحرير والعتق الذي يدور ضمن معاني كتب، فذاك يدعم القول الآنف حيث المُكاتَب هو العبد يُكاتَب على نفسه بثمنه، فإذا سعى وأداه عُتق، اذ يتحول الكتاب إلى وثيقة العبودية وهو في ظاهره ينبئ بتحرر وشيك!!

و تلك واحدة من المفارقات السخية مثلما أن الكاتب في تعريف العرب هو العالم، لكنه في الوقت نفسه يناوش في حلم محلق أبدا في عالم الغيب ألم يقل الله عز وجل: { أم عندهم الغيب فهم يكتبون}.

و هكذا، في تلك المنطقة الغائرة، في تلك المسافة بين الفيزيقيا والميتافيزيقيا، بين الغيب والشهادة بين المكبوت والمكتوب وما بينهما تحدث وقائع الاستشهاد والشهادة.

وأقول الاستشهاد والشهادة قاصدة بهما المعنيين المنتاقضين معًا، الاستشهاد والشهادة بمعنى الاثبات والاستدلال و الاظهار، الاستشهاد والشهادة بمعنى الزوال والخفاء والفناء!!

أولسنا نلاحظ فوق ذلك أن كتب بمعنى واحد من معانيها فقط وهو النص والتنضيد تنطوي في حد ذاتها على عنف خفي وهي ذات علاقة وثيقة بمعنى القتل، اذ تتداعى الصور وتلتقي في جذر بعيد سحيق منها صورة التنضيد بصورة التمثيل والصلب. أليس التمثيل، ضرب الأمثلة والأمثال، نوع من الصلب والنصب اللغوية؟، هذا فضلا عما يتضمن معنى التمثيل الدموي من معاني العنف الذي تعرفون!!

ترى أمن البدء كانت الكلمة مصلوبة تحمل في طياتها حلم الخلق وحلم الكينونة كوعد يكفل للانسان سببا متصلا يجعله يحتمل الاستمرار؟ أم ترى كانت الكلمة دوما مرفوعة معلقة ليظل الإنسان  مشدودا في نوع من اليوتوبيا إلى ميتافيزيقيا تخفف بشاعة الواقع وجفافه فتأتي الكتابة تخرز بسيورها القربة الانسانية العتيقة حتى لا يجف كليا قطرها فيكون بذلك عنفها معادلا لرأفتها وحكمتها في البقاء؟!!