يتمثل الفرق ظاهريا بين كبت وكتب في أسبقية حرف الباء على التاء. وللمقارنة أيضًا يلاحظ أن الترتيب الهجائي للحروف الابجدية يجعلها أيضا سابقة حيث الباء أصلاً تسبق التاء ، ولكن من المهم أن نجعل التاء تسبق الباء في ترتيب الكلمة لنجعلها سابقة معرفية و إبداعية و وجودية ، فنكتب فعلاً ما نكبت .
لكن أسوأ أنواع السلطات التي تكبت تلك السلطات التي لم نعرفها بعد ! والمتوقع أن الإنسان لا يكبت إلا ما يكون قد عرفه وعرف استحواذه وهيمنته و سلطويته وآلية كبته . ولكن هل ما نكبته و نكتمه نعرفه ؟
لا أظن ، فثمة أشياء مكبوتة فينا ومكتومة نحن لا نعرف لماذا , ولا ما هي ماهيتها وكنهها ، إنها المغلول فينا الذي لا يحله إلا تجريبنا وكشفنا.
ومع أن المكبوت محبط، إن لم نقل إنه مغمور أو مجهول إلا أنه يبدو على الرغم من ضعفه مشاغبًا لحوحًا يحاول التسلل وإشهار سخافة الحقائق الكبيرة وتفاهة الأشياء الباهرة القاهرة الشديدة الاحتشام!! ومن هنا تطمح الكتابة أن تعطيه منفذًا للإشهار، تطمح أن تعطي مقعدًا للتاء هو في الأصل للباء .
فهل ما نكتبه فعلا تتغلب فيه التاء على الباء في لعبة المقاعد، هل كل ما نكتبه هو حرب على الاستحواذ وتحرير للمعلول؟ وسنرى كيف سيكون هو نفسه استحواذًا أخر والية اخرى للعسف والعنف!!
فهل كل ما نكتبه هو ممارسة العري التي يعلنها ذلك الكائن المشاغب؟لا أظن فكثير من المحاولات في معظمها ارتدادية و نكوصية و اعتسافية هي الأخرى. انها مثل الغياب الذي يحضر متأخرا إلى حفلة تكون فيها كل الاشياء الاستقراطية المبهرة قد احتلت المقاعد كلها، في حين كان من المفترض أنه وهو أي الغياب هكذا كان يعتقد أنه هو ضيف الشرف الغائب المنتظر!!
فالمكبوت المكتوب والمكتوب المكبوت هو الحلول المؤجل أو الحضور الذي لا يجيء لأنه متى ما جاء فقد حل فيه الفناء فمتى ما حضر فقد ظهر و لحقته ناشئة الفناء.