انشغل بمصطلح السيمولاكروم الأفلاطوني ومناقشته ووضعه في مساءلة مع المعطيات الثقافية المعاصرة دارسون كثر، منهم : دريدا ، وديلوزDeleuze الذي خص المسألة بكتاب () (Platon et le simulacrأفلاطون والسيمولاكر) ، ومنهم متّى Mattei في كتابه ((L' Etranger et le simulacre (الغريب والسيمولاكر) . وما تزال مسألة الصورة والسيمولاكروم تشغل فلاسفة مثل : جون بودريار، وميشال ماكاريوس ، ورنيه ماجور ، وبول فيريليو ، ومارولو برنيولا .
وفي مقالة لبرنيولا بعنوان : (أيقونات، رؤى ، سيمولاكريات) يكشف عن الصراع الذي شهده تاريخ الفن والمعتقدات اللاهوتية والفلسفية بين مؤيدي الأيقونة Iconophiles ومناهضيها Iconoclastes » وتنطلق هذه الدراسة من واقع الصورة اليوم وانتشارها وتوزيعها عبر وسائل الإعلام والمعلوماتية والتلفزة لتربطها بخلفياتها الأيديولوجية وأصولها وجذورها اللاهوتية والميتافيزيقية . ويعتبر برنيولا أن السيمولاكرلم يعرف سوى انتصارات تاريخية . قاصدًا بذلك سلطة الأيقونة في تاريخ الفن والمعتقدات ، وكيف تأرجحت بين الرفض والتدمير (حركة الإصلاح مع كالفن) والدفاع والتعظيم (حركة اليسوعيين) . الانتصار التاريخي الآخر للسيمولاكر يتجلى في منطق الحرب والاحتيالات الاستراتيجية والتكتيكية المبنية على تصنع الأحداث والصراعات ، وحاليـًا استراتيجيًا تهييج الضمير الجمعي البشري بسيمولاكر النووي والدمار الشامل وكذا التعديلات الجينية المغيرة لهندسة الـ ADN أو مايسمى الاستنساخ Chonage.(1)
ويخلص برنيولا بعد استعراض وجهتي النظر لمؤيدي الأيقونة ومعارضيها إلى أن السيمولاكر صورة لشيء غير موجود ، فالسيمولاكر ليس له نموذج أصلي لذا فهو مجرد عدم لا معنى له(2)
. ويرى بيلادميتو أن » الصورة ترتبط بقيمها الملموسة وكيفياتها الضمنية والتاريخية دون أن تتحيز إلى الواقع والمثال أو تتميز عنهما. بدوره يعبر دو لويولا... عن تجربة روحية متميزة تعطي الأولوية والصدارة للرؤية بعين الخيال لا بعين الحس ، بعيدًا عن الحس في محايثته المطلقة ، وعن المثال في تعالية المفارق.«(iii).
وفي ضوء هذا الاستعراض لعلاقة الصورة بالنموذج أو الأيقونة بالمطلق يميز برنيولا بين »الهبريالية Hyperrealisme أو الفوق_واقعية ، وهي امتداد تاريخي ومعرفي للإيكونوفيلية : تعظيم الصورة ، وبين الفوق_مستقبلية Hyperfuturisme التي تتبنى أساليب الرؤية والتنبؤ والاستشراف. فالهبريالية..من منظور جون بودريار قولبة للحقائق ونمذجة للوقائع ، لاهي الواقع ، ولاهي المثال، تعمل على تسويق الصور وتوزيع الإيقونات الإشهارية والإعلامية عبر أساليب الردع والإقناع : موت التمثل وسقوط المتضايف : واقع/ مثال، وتفكك الروابط الميتافيزيقية بين الواقع والمفهوم الدال عليه والمعبر عنه.«(iv)
ويخلص برنيولا في متابعة مسار الأيقونة والنموذج والسيمولاكروم إلى أننا في عصر التصنع simulation ، وينتهي إلى أن كل صورة أو أيقونة صارت خيانة للأصل ، وصارت مظهرًا للتمويه والتضليل ، وخاصة في الإعلان والإعلام . ويحذر من أن تراث البشرية وثقافتها ، بناء على هذه النتائج ، معرضان لعملية تصنعية تحول الثقافة والذاكرة البشرية إلى ثقافة مضللة مجزأة وسطحية مختلطة .(v)
إن تتبع دراسات الصورة والنموذج والأصل والسيمولاكروم يحتاج لدراسة مستقلة ، ولكني أردت من هذه التوطئة عن السيمولاكروم وضعها في سياق المشكلة فلسفيًا ولغويًا وعلاماتيًا قبل أن أتوقف عند دريدا كنموذج لتشابك المصطلح مع تيمة الظل من جانبين : جانب معالجته لمسألة السيمولاكروم وبنية الازدواج التي أبين من خلالها علاقتها بمفاهيم أخرى لدريدا ذات مساس بقضية الظل من حيث ارتباطها بمسألة اللغة والكتابة من جهة ، ومن حيث الالتفاف حول كتابة دريدا نفسها للكشف عما سمي وحدات الظل في كتابته ، بمعنى أن التوقف عند دريدا سيكون على محورين : دريدا ناظرًا ، ودريدا منظورًا إليه .
(1) ينظر محمد شوفي الزين مقالة» مسباربرنيولا الثاقب: الصورة تلغي النموذج: الأيقونة، الرؤية السيمولاكر النسخة _الجسد تحجب أصلها « (مجلة كتابات معاصرة العدد 41 سنة 2000م) ص 49-51.
(2) المصدر السابق ص 49-50.
(3) المصدر السابق ص 50.
(4) المصدر السابق ص 50.
(5) المصدر السابق ص 51.