الصفحة الرئيسية
 /  
مازال الشجر يسير 1
 /  
رجوع

مازال الشجر يسير 1


تهدف هذه المقالة إلى الكشف عن طبيعة العلاقة على محوري اتفاق واختلاف بين قصة قديمة أنتجت مثلها وبين عبارة مثلية عاميّة تبرر مع كل مرة تقال فيها كوامن عجزها , وهي محاولة حفر في قطاع صغير في الذاكرة التراثية والذاكرة الجمعية . ولعل حفريات أخرى أكثر عمقًا وأكثر تخلصًا من روح الشعر يمكنها أن تقارب تأويلاً آخر قد يرتد أيضًا في الذاكرة التراثية والجمعية إلى معنى مناقض ، أو لعلها تقبض على جذور علائق أعمق مما يتسارع إليه الفهم والتأويل هنا .

 

انهيار المتصل :

 

          في عاميتنا نقول : " الشوف شجر" إشارة إلى ضعف الرؤية ، أو على الأقل هذا هو السياق الذي تضرب فيه . ومقتضى مفهوم " الشوف شجر" أن أفق الرؤية ضيق ومحتجب فلا يمتد بعيدًا بسبب محاصرة الشجر لمدى الرؤية . وقد يكون التصوير مقتضيًا التفكير بشجر العين نفسها وانعطاف الأهداب وانكفائها وتغطيتها لمعبر الرؤية فيغُّم على الرائي ، ويرتد بصره حسيرًا . كما قد يقتضي أيضًا استحضار معنى الاشتجار ؛ إذ ثمة مؤشر إلى اختلاط واضطراب يمنع الرؤية أو التفكير الصحيح الصافي الواضح الحر المطلق من سلطويات القيود والأطر ، كل ذلك وارد وربما هناك ما هو أكثر وأبعد من كل هذا .

          ولكن إذا ما استدعينا مع "الشوف شجر" زرقاء اليمامة ، وهي بالضرورة حاضرة مع شجرها الذي يسير ، أيمكن أن نفهم تلك العبارة بتلك المستويات من الدلالة فقط ؟

          ثمة معنى نقيض مع الزرقاء والشجر الذي يسير ، إذ هي مع شجرها تستدعي الدلالة على حدة الرؤية وصدقها وبعد مداها !! صحيح أن التأويل لحظة الرؤية لم يلعب دوره باستثارة حس التخوف والتشكيك الصحي لدى قومها ، حيث لم يصدقوها إذ كان ثمة انهيار لمتصل الإدراك ومتصل العلاقة بين الرؤية والواقع من جهة وبين متصل إدراك الزرقاء وإدراك قومها لإدراكها ، وبالتالي انهيار متصل العلاقة بينها وبين قومها مع انهيار جبروت سلطة الرؤية . ولكن مع ذلك ظلت تضاعيف القصة ومحصلتها النهائية تشير إلى حدة في البصر وقدرة متجاوز في الرؤية ، حتى مع النهاية المؤلمة التي لقيتها الزرقاء على يد الشجر الذي يسير ، أعني دك أداة الرؤية وقطع المتصل مع الوجود والمعرفة وبالتالي سلب السلطة . ولكن سلطة حقيقة قدرة الرؤية المتجاوزة ظلت تمارس فعلها في القص والمرويات والتاريخ والوجدان الجمعي .

          ولن استطرد في حسن التأويل أو سوئه أو حتى في صدق القصة ، ولكني أريد هنا أن ألفت النظر إلى هذا الانقلاب الضدي في دلالات الصورة المستقاة من قصة الزرقاء ومثلها إلى معنى مضاد تمامًا في المثل الشعبي . ترى أي شيء حدث للرؤية عبر التراث وعبر الزمن بعد عمى الزرقاء أو حتى موتها ؟ وما علاقة هذا بالتخبط الأخير والالتباس الدائم في " الشوف شجر" ؟ ترى ألهذا الانقلاب مبرر ما ؟