الصفحة الرئيسية
 /  
ذئب التلافيف
 /  
رجوع

ذئب التلافيف


كنت اتحدث في (نافورة نار) عن فتنة الاسئلة والقلق الوجودي، عن الذات بدثارها الخطير (اللغة) الذي هو أيضا نبضها و بصمة خلاياها الداخلية وجسر اتصالها وتواصلها مع الكون والكائنات. وكيف ان اللغة الدثار يمكنها ان تمسي مجرد مسوح يراكم كالطبقات المحتشمة الملتفة على زيف الكشف و الابداع و خطل المعرفة و الاجوبة.

 

حينها يصبح دثار الذات موازيا لعري قبيح فثمة عري آخر جميل لما نزل نحلم به نحلم باللغة العري اللغة الحفر حتى الجذر وبرزخ التربة.باللغة الماء، واللغة اللحاء، نحلم باللغة التي تجعلنا نسمع الصوت الملقى في قاع البئر بئرنا العتيقة، اللغة التي تجعلنا نتعرى لنسبح فنستخرج ملابسنا اللائقة بنا من غيابة الجب، فنلقيها على أعيننا قبل أعين الكون لتشفى رؤيتنا ورؤانا من كذبة الذئب ومخلب الذئب، ذئب التلافيف الكامن في كل منسرب ومنعطف في ألق القلق ونهم الابداع وحرقة الكتابة.

ولأننا نحلم نريد أن نضواْ الكلام، ان نزيده اشتعالا حتى يشف، لكننا نصوم احيانا عن الكلام. نمتنع عن الكلام إلا بحضور اللغة تلك، نمتنع عن الكلام وليس مثل المتهم الذي يمتنع عن الكلام الا بحضور محاميه فحضور المحامي احيانا لا ينفع ولا يشفع، ولا يقولنا على الرغم من الثرثرات والكلام الجاد والمحاكاة والمقاضاة !!.

نمتنع عن الكلام لأن الكلام احيانا يبدو اشبه بالاستحمام، ثمة نوع من العري الذي يكره الناس ان ينكشف للآخرين وهم يستحمون باللغة!! أنت عندما تهدر بك الاشياء، عندما تهدر انت باللغة وتهدر هي بك وبالأشياء فتتدفق بك ومنك وعليك مثل شلال نادر وخطير قلما يحدث في مثل هذه الحالات النادرة ان تزداد كثافتك بل تزداد عريا وتتطاير تلافيفك البشرية، طبقاتك المحتشمة كا رذاذ فتطير انت شفافا خفيفا مثل قطرة ماء مجنحة. حينها تعود انت مرة اخرى- مرة نادرة- اليك فتتلاحم مع الطبيعة فتبدو غير انساني!! كأننا لفرط تماهينا في انسانيتنا وتعالينا على بقية ما في الطبيعة من اسماء و اشياء وموجودات غير بشرية نبتعد كثيرا عن جذرنا العفوي الطبيعي الشفاف المرهف الباتر لفرط شفافيته.

ولكن متى تحدث مثل هذه الجرأة والقدرة على التعري؟ على العودة على ذلك النبع الباتر الجميل،..........قبل ان يمر بأنواع التدجين والتغطية وأصناف التلافيف والقشور و الاحتشامات، هو هكذا وما زالت عليه....................

هو هكذا حين يعود في لحظة نادرة يشم رائحة اللغة الأولى، ويستعيد النفخة فيتنفس اللغة التي تشف عن جسد البشرية الداخلي في اقصى كماله وجماله وكبريائه، وعن خلايا الانسان والكون الغائرة التي لطول ما بين عنق البئر وعمقها فقدت نبضها وصوتها انها حرقة الابداع مع اللغة التي لا تقول أو اللغة التي لا تقال، الاختناق البشري الذي تسمو احيانا فوقه وعليه الكائنات الاخرى بفطرتها الغارفة في السكينة والمتسربلة بالعري الكامل.