الصفحة الرئيسية
 /  
مسرحة التراث في الأدب المسرحي السعودي
 /  
رجوع

مسرحة التراث في الأدب المسرحي السعودي


بدأ الاهتمام بالمسرح والوعي بأهميته ودوره الفعال في المجتمع متأخرًا في المملكة العربية السعودية ، إذا ما قورنت المملكة بغيرها من البلاد العربية . فقد بدأ هذا الاهتمام قبل ثلاثين عامًا أو يزيد ، متمثلا بوجود بعض النشاطات المسرحية المدرسية ، التي كانت تقيمها بعض المدارس مثل مدارس النجاح الليلية وغيرها . وبدأ هذا الاهتمام متمثلاً ببعض التمثيليات و"الاسكتشات" الفكاهية التي كان يقدمها مسرح الإذاعة في مطلع الستينات ( )


كما ظهر ذلك متمثلاً ببعض المقالات التي تدور موضوعاتها حول المسرح في العالم عامة ، وفي العالم العربي خاصة ، وعن شروط العمل المسرحي . وقد اهتمت بعض المجالات مثل مجلة " قريش" بالمسرح وأخذت تنشر كثيرًا من المقالات حول المسرح وأهميته ، وحول فنية العمل المسرحي ومقوماته . ثم أخذت مقالاتها تمهد لمشروع أول مسرح في المملكة العربية السعودية ممثلاً في مسرح "دار قريش" الذي أسسه أحمد السباعي ، وأخذت تبشر به منذ عام 1381هـ ، بأقلام كتاب مثل: عثمان شوقي ، ومحمد عبد الله مليباري ، ومطلب النفيسة ، وعلي الشنواح ، وغيرهم.. . ولكن هذا المشروع لم ير النور على الرغم من أن إعداد المسرح والنص المسرحي والممثلين كان قد تم ، ووصل إلى مراحله النهائية . وقد كان النص المسرحي المقرر عرضه نصًا بعنوان "فتح مكة" للكاتب محمد عبد الله مليباري . وبعد هذا التوقف لمشروع المسرح بفترة ليست بالقصيرة ، أخذ الاهتمام بالمسرح والوعي بضرورته ينمو ويتسع بازدياد المسارح المدرسية ، وإنشاء المسارح الخاصة بالنوادي الأدبية والجمعيات الخيرية والثقافية ، بحيث يمكن أن نقول إننا نعيش الآن فترة صحوة بأهمية المسرح والأدب المسرحي . ولست هنا في مجال التأريخ لتطور المسرح وحركته خلال الثلاثين سنة الأخيرة ، فالفجوات كثيرة والمصادر الراصدة لهذا التطور منعدمة ، كما أني في هذا البحث لا أؤسس لدور المسرح وفرقها ، وفن الإخراج والتمثيل فيها ، وإنما يتوجه بحثي هذا إلى النص المسرحي ، وإلى الأدب المسرحي ــ ولكني أردت من هذه اللمحة التاريخية أن أبين مدى تأخر وبطء الاهتمام بالمسرح الذي أدى بدوره إلى تأخر النتاج المسرحي الأدبي وقلته . ولنلق نظرة على حركة هذا النتاج . إن أول المسرحيات السعودية وأقدمها صدرت خارج المملكة ، بل وبعضها كتب خارجها أيضًا ، فمثلاً حسين عبد الله سراج وهو من الرواد في كتابة المسرحية السعودية ، أصدر مسرحية "الظالم نفسه" في الأردن عام 1352هـ / 1932م ، ثم أصدر مسرحيته الثانية بعدها بعشر سنوات ، وهي مسرحيته "جميل بثينة" في الأردن كذلك عام 1362هـ/ 1942م . ولنتابع تطور حركة الإنتاج المسرحي المطبوع لنرى مدى سرعة هذا التطور وطبيعته ، فبعد صدور مسرحية "جميل بثينة" تظهر مسرحية " الهجرة" لأحمد عبد الغفور عطار عام 1366هـ/ 1946م أو 1947م ، ثم تصدر المسرحية الشعرية "غرام ولادة" لحسين عبد الله سراج عام 1372هـ/1952م ، وبعدها تظهر مسرحية "العم سحتوت" لعبد الله عبد الجبار عام 1374هـ/1952م . تليها مسرحيته الثانية " الشياطين الخرس" . وفي 1372هـ/ 1963م يكتب إبراهيم الناصر مسرحيته "متهم" ، ثم يصدر عصام خوقير مسرحيته "في الليل لما خلى " عام 1389هـ/1970م ، وبعدها ينشر محمد الخطراوي مسرحيته "المقامة الدينارية" عام 1396هـ/1976م . ثم يصدر عبد الله بوقس مسرحيته " عمر بن عبد العزيز" عام 1397هـ/1977م ، ويكتب بعدها مسرحيته الثانية "المتنبي" عام 1400هـ/ 1980م ، ثم تصدر مسرحية "الشيخ الأسير" لحمد بكر العليان عام 1401هـ/1981م ، كما يصدر في العام نفسه عصام خوقير مسرحيته الثانية "السعد وعد" ، ثم يصدر حسين عبد الله سراج مسرحية "الشوق إليك" عام 1402هـ/ 1982م . ثم تصدر جمعية الثقافة والفنون ثلاث مسرحيات مطبوعة ، مجموعة في كتاب واحد عام 1403هـ/1983م . إن النتاج المسرحي ، كما يتضح من السرد التاريخي السابق ، كان قليلاً جدًا وبطئ الحركة . ففي أكثر من عشرين سنة الممتدة ما بين عام 1932م وعام 1954م لا نجد إلا ست مسرحيات ، ثلاث منها لحسين سراج أصدرها خارج المملكة ، ولعله كتبها خارجها أيضًا . كما نلحظ من هذا السرد ، أنه خلال السبعينات لا نحظى إلا بمسرحيتين فقط . وفي الثمانينات يرتفع العدد إلى ثلاث مسرحيات . ولكن يزداد النتاج المسرحي بعد ذلك فنجد أربع مسرحيات مطبوعة بالإضافة إلى الثلاث مسرحيات التي أصدرتها الجمعية مجموعة في كتاب واحد( ) . وهكذا نرى أن النتاج المسرحي بدأ قليلاً وبطيئًا ، وازداد بطئًا في مرحلة السبعينات ، ولكنه في السنوات العشر الأخيرة نشط يتزايد ، ويتقدم الاهتمام به أكثر من ذي قبل. إن تتبع هذا النتاج المسرحي عمل قد يستحيل في فترة زمنية محدودة ، كالفترة التي عُمل فيها هذا البحـث ، بل إن العملية قد تستحيل على فرد واحد ، وتحتاج إلى جهود جماعية مكثفة ، لأنه من المتوقع والمحتمل أن تكون هناك أعمال مسرحية غير مطبوعة ، أو منشورة في مجلات وجرائد على مدى الثلاثين سنة الأخيرة من القرن الماضي . ولقد خبرت بنفسي صعوبة هذا العمل ، إذ قمت بمسح شامل لواحدة من أقدم المجلات التي كانت تصدر قبل خمس وعشرين سنة ، وهي مجلة "قريش" وقد اقتضى مني التنقيب والبحث فيها فترات طويلة قضيتها في قراءتها على أجهزة " الميكروفيلم" وكانت أود أن أتمكن من مسح معظم المجلات الصادرة في وقت مبكر ، كالمنـهل ، والرائد ومجلة الإذاعة ومكتبتها الفنية ـ لأحظى بمعلومات أكثر توثيقًا ودقة ، لكن ذلك مما يستحيل على فرد واحد ـ كما قدمت ـ كما أنه قد تكون النتائج هزيلة إزاء الجهد الجبار الذي يُبذل . ومن أجل ذلك ، وحتى لا يصير البحث مليئًا بالفجوات والثغرات ضربت صفحًا عن المنهج التاريخي ، الذي قد يكون الأنسب لهذا البحث الذي يحاول الريادة في هذا الميدان ، كما أني لم أعمد إلى المنهج الفني ، لأني ما وجدت في مجموع المسرحيات ملحمًا فنيًا يستحق الدراسة ، لذا فقد يممت شطر المضامين ، مضامين هذه المسرحيات فكان موضوع الدراسة " مسرحة التراث" نابعًا بالدرجة الأولى من تلك المضامين ، وإن كنت قد حاولت استجلاء طبيعة تعامل الأدباء السعوديين مع التاريخ من خلال البنى الفنية للمسرحية ، إذ لابد من الاستعانة والدوران حول تلك البنى والمفاهيم والقواعد المسرحية المقررة. وهنا يحسن بي أن أنبه إلى أن المفاهيم والمصطلحات المسرحية المبثوثة في البحث إنما تتبع ما استقر عليه الدارسون ، واعتدوا به حول قواعد الكتابة المسرحية وأسسها( ) ، من النظر إلى القواعد الأرسطية الثلاث ، والتسامح إلى حد ما مع وحدتي الزمان والمكان واشتراط وحدة الحدث وتوافر عنصر الصراع في العمل المسرحي مع المرونة التي تسمح بالنظر إلى القوالب الحديثة الجديدة وأسسها ومدارسها الفكرية والفلسفية إن وجدت لها أصداء في النتاج الأدبي المسرحي السعودي المدروس . الخاتمة: وهكذا فقد ظهر من البحث ، أن التعامل مع التراث والتاريخ في النتاج المسرحي قد اتخذ اتجاهين واضحين: الأول اختار النص الأدبي التراثي لينهل منه ، كما ظهر في مسرحية "الشيخ الأسير" و " المقامة الديناريـة" ، والثاني اتخذ الشخصيات التاريخية مادة مسرحية ، كما في مسرحيات "عمر بن عبد العزيز" و " المتنبي" و "غرام ولادة" . وتجلى أن الكُتّاب السعوديين يتعاملون تعاملاً يكاد يكون حرفيًا لدى أصحاب الاتجاه الأول ، وأنتج في أحسن الأحوال عملية إعادة لكتابة التاريخ ، دون أن تظهر أصالة الكُتّاب وإبداعهم . وكما أنتج التعامل الأمين مع التراث والتاريخ عملية تكرار لكتابة التراث لدى أصحاب الاتجاه الأول ، دون أن نحس إبداعًا أو أصالة ـ فقد أنتج هذا التعامل المخلص مع التاريخ لدى أصحاب الاتجاه الثاني جهودًا تجميعية كيفما اتفق لأخبار وحوادث مختلطة ، فكانت العملية أشبه ما تكون بجهود التأليف في فن السيرة للشخصيات التاريخية ، بل إنه حتى عملية تكرار كتابة التاريخ لم تصل إلينا بشكل موفق كما وصلت إلينا أصحاب الاتجاه الأول . ولا يستثنى من التعامل الأمين مع التاريخ لدى أصحاب الاتجاه الثاني إلا حسين عبد الله سراج في "غرام ولادة" ؛ إذ تعامل مع الوقائع التاريخية تعاملاً فيه شيء من ذات الكاتب ، وانعكاس مشاعره على عمله الفنـي ، إذ قلب شخصية ولادة ، وعكس الأحداث ، وتصرف في شخصية ولادة وفي النهاية التاريخية ، وجعلها خاتمة مفرحة سعيدة . ومن هذا التعامل المحرف للأحداث التاريخية يتبين لنا شيء من ذات الكاتب واهتماماته ، إذ لم يكن هناك أي مبرر وراء ذلك التحريف إلا الشغل الشاغل الذي بدأ الكاتب به مولعًا ، وهو إضفاء الجو الغرامي الذي يتخطى الصعاب ، ويتدفق وفاء وصفاء . وإذا تركنا طبيعة التعامل مع التاريخ والتراث ، لنرى القالب الذي وصل إلينا فيه هذا التعامل لوجدنا أن هذا القالب رديء في معظم المسرحيات ، من ناحية فنّية العمل المسرحي وشروطه ، إذ جاءت الأبنية المسرحية مفككة مهلهلة ، وغاب الحدث الموحد ، وانتفى عنصر الصراع ، واختفت الأهداف والفكر الرئيسية ، وجاء رسم الشخصيات ضعيفًا مهلهلاً. وإذا كان الاتكاء على التاريخ والمحافظة عليه قد قيد الإبداع والأصالة لدى الكتاب ، وجاء على حساب الخروج بمستوى فني جيد للقالب المسرحي فإننا لا نعدم ميزة واحدة للمسرحيات التاريخية ، وهي ميزة انبثقت من طبيعة التعامل مع التاريخ ، وهي أنها مسرحيات اعتمدت اللغة العربية الفصيحة ، على الرغم مما تخلل المسرحيات من عيوب لغوية ونحوية وصرفية إلا أنه تبقى الفصحى ميزة لهذه المسرحيات التاريخية( ) . وبعد فهذه دراسة آمل أن تكون قد قدمت شيئًا مهمًا وفعالاً في مجال الحركة الأدبية المسرحية في المملكـة . والله وحده الموفق.