الصفحة الرئيسية
 /  
الذات في عين المادة 2
 /  
رجوع

الذات في عين المادة 2


عندما تغرقنا الكاميرا بضوئها كأنما نتماهى بالنور؛ فتضيع ملامحنا... إن النور لا يميزنا، وهذه مفارقة، بل هو يبالغ في محونا، وهذه مفارقة أوجع!! , لا علاقة لهذا النور والمحو ببراعة المصور، فثمة ميتافيزيقا للصور، وأنا أعني بهذه الإشارات عن النور والمحو شيئًا يتجاوز فيزيقا المادة في الصورة إلى ما ورائيات الضوء والنور والمحو عند انعكاس الذات في عين المادة، تلك اللحظة الهاربة التي تحاول أن تقنص من الضوء شيئًًا يتسرب في العتمة، ويمضي في الزمن محاولة تجميده، وفوق هذا وذاك ثمة شيء آخر روحاني يتقافز ثم لا تستطيع أية تقنيات اقتناصه، إنه الذي يتسرب دونما حيلة في الزمن حتى يستحيل كل شيء إلى بياض مطلق ونور مسرف بلا ظل.. إنها لحظة عراك خفيفة بين الجوهر والعرض، بين السيرورة والثبات، بين الصيرورة والبقاء، بين الموت والحياة. وليس في هذه التأكيدات الوصفية شهية استطراد، بل هي في القلب من مسألة الضوء والظل، والصورة والصيرورة، وهو موضوع دراسة لي – في طريقها للنشر- من علاقة الضوء والظل بالجوهر والحياة والموت والفناء باعتبارهما مسألة وجودية ملازمة لمادية الجسد وكثافته الانطولوجية ومراوغة فيزيقا وميتافيزيقا الروح فأيهما الضوء و أيهما الظل؟ و من له الكثافة في اللحظة التي تتبخر فيها النفخة حينما تحدث لقطة الموت؟.

 

لقد ابتعدت قليلاً عن اللقطة الأولى فلأعد اليها، عندما تفاجئك عن الكاميرا أو تسطع فيك تنعكس أنت فيها بعد أن يكون ضوؤها قد انسكب عليك فتعكسك وتخرج أنت مؤطرًا منها!!

هل هذا الخارج هو أنت؟ أكنت تنعكس فيها- أم كنت تستعير عينها لتنظر أنت إليك، فتخرج أنت منك، متماهيًا بك وحدك، متماهيًا مع نورها أو من نورها الذي انقدح لحظة ليحتوي تجليك واتحادك بك!!

أقلت في البداية إن النور لا يميزنا وإنما يبالغ في محونا ؟ أية طوباوية هذا المحو هو إذًا؟ كأنما ننعكس نحن في الكاميرا فنخرج نحن من قلب الضوء ثانية ونتماهى بالنور، نتحد مع آخر كأنه ليس نحن، آخر هو نحن لكنه ليس إيانا، آخر منغلق مجمد في إطار مسروق من نفسه ولقطته.. إن هذا الاغتراب والاستغراب أمام صورتك وأنت تتأمل نفسك هو نفسه إحساس البدائي أو الطفل المدهوش الذي يتأمل نفسه بشيء من الحذر من هذا الشبيه الذي يشعر نحوه بشيء ما لكنه وهو يدرك أنه إياه يحس تجاهه بنوع من الألفة الممزوجة بالخوف من كائن غريب سحري يتجسد..  ألم يسبق لك أن لاحظت مثلاً كيف يتأمل طفل صغير دون الثانية نفسه في مرآة ؟

إن هذه السحرية فيها طوباوية بشكل أو بآخر فيها فيزيقيا وميتافيزيقيا في ذات اللقطة واللحظة، فيها الاتصال بالذات مؤطرًا تتأمله الذات، فلحظة إدراك الذات مثلما هي لحظة اتحاد و تماه هي لحظة انفصام وانقطاع واغتراب!!